|
|
من يملك مفتاح الوعي؟
|
زوار :
1595 -
1/1/2007
|
|
|
يقرّر علماء النفس أن الطفل في بداية حياته يقوم بتصرفات كثيرة جداً؛ فمن أجل التعبير عن ظمئه –مثلاً- يطلق عشرات الأنواع من الأصوات، ويحاول عشرات المحاولات اليائسة, وفي كل مرة يقلّل من عدد حركاته وأصواته، ويفهم بالتدريج عبثها، ولا يكرّرها ثانية حتى يصل إلى مرحلة يختار فيها حركة واحدة أو صوتاً واحداً لبلوغ هدفه كالبكاء أو الضرب بقدمه على الأرض, ثم تقل الأصوات تدريجياً حتى ينطق بكلمة واحدة "ماء". فهذه الحقيقة أقرب إلى مسيرة عقل الإنسان ومراحل نموه نحو النضج الذهني والوعي الفكري, فكم من المحاولات الخاطئة لفهم الواقع والمجتمع يعيشها الإنسان في بدايات نضجه؟! وكم من التشنّجات الانفعالية التي تصحب تلك الفهوم والآراء، وقد تحمل هذه البدايات المتعثرة حتميات قطعية لا تقبل النقاش أو الجدال ثم تُثبِت الوقائع والتجارب فضلاً عن الاستزادة من العلوم والمعارف خطأ هذا النظر أو شناعته أحياناً؟! .. وبالتالي تقل تلك القطعيّات، وتزداد النسبية في عالم متغيّر كثير التقعيد يحتاج إلى تلك الخطوة الأولى نحو النضج في البصيرة والعمق في النظر. إن فرض الحلول السريعة الجزئية لمشكلاتنا الراهنة بكل تعقيداتها سيدفع بنا نحو مزيد من الوهن والتأخر، ويكرّس في أعماقنا مشاعر اليأس والإحباط من كل محاولات الإصلاح ودعواتها الراهنة. وكأن قدرنا أن نبقى نراوح في مهد الطفولة الفكرية حتى لو شابت رؤوسنا ورقّت عظامنا. لذلك ينبغي أن نقدر أن مجتمعنا فيه ما يكفي ويشفي من أهل العقل الواعي والفكر الناضج ما يؤهلهم أن يعيدوا النظر في كل مشكلاتنا المزمنة والقادمة بشروط عدة، يجب التزام المجتمع بكل قياداته بها, وأهمها في نظري أن يمنحوا الثقة لأبنائهم المفكرين المخلصين في البحث عن مخارج لكل أزماتنا الراهنة, فهم أحرص من الخبير الأجنبي على بلادهم، وأقدر على فهم مشكلاتهم، وأعرف بثقافة المجتمع ودينه وأعرافه من القادم من وراء البحار. لهذا قال الله –عزوجل- في معيار من معايير نجاح دعوات الأنبياء أنهم كانوا منهم، ومن جِلدتهم (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) وقوله :(ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه) (وإلى عاد أخاهم هوداً) (وإلى ثمود أخاهم صالحاً) (وإلى مدين أخاهم شعيباً) .. . كما أن أصحاب الاختصاص وأولي الذكر والعلم الدقيق أولى من غيرهم فيما يتعلق بفنهم وتخصصهم, وكم هو مؤسف أن ترى صاحب قرار يجازف برأيه في أمور دقيقة أو عظيمة لا حظ له فيها بعلم أو تجربة، ويهمّش من لو أدلى برأيه فيها لأصاب كبد الحقيقة، وهو متكئ على أريكته، كما لا يكفي اجتماع المختصين ما لم يعطوا ما يكفيهم من الوقت والمال والدعم المعنوي لإنجاز دراستهم و إعداد بحوثهم مهما كانت النتائج مريرة والتوصيات قاسية. كالطبيب المداوي عندما يؤلم مرضاه من أجل علاجهم لا يستوجب كرهه بل يستوجب مزيد ثقة وإقبال عليه، وفي قول الحق سبحانه :(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) دروس وعبر. إن مراكز البحث والدراسة في مجتمعنا لا ينبغي أن تؤطّر في مجلس واحد كالشورى مثلاً. بل ينبغي أن يكون هذا ممتداً لكل مجال يحتاج أهله لمن يستمع شكواهم وينظر في مشكلاتهم, والقطاعات التعليمية والتربوية والأجهزة الحكومية والمؤسسات التجارية أحوج لتلك المطابخ الواعية المفكرة بدلاً من الحلول المعلبة المكررة, بل لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن القضايا الفقهية والفتاوى المستجدة لا ينبغي أن تخرج عن هذا المسار من النظر والتدقيق والتمحيص في أهليتها وسلامة نهجها. فكم هو مؤلم حقاً تلك الهوة السحيقة بين مسؤول يعاني تراكم مشكلاته وأزماته ومفكر أو عالم قد غطته دراساته وحلوله العلمية، ولا يجد من يسمعه أو يستفيد من تجاربه وخبراته، وربما لا يفرق بينهما بضعة أميال؟! وأذكر من الواقع أني حضرت اجتماع خبراء حول إشكالية تعليمية لم يكن فينا أهل اختصاص إلا القليل، بينما هناك رسائل جامعية قد بحثت ذات الموضوع، وأرهقت أصحابها جهداً ومالاً لم يُلتفت إليها أو يُدرى عنها! فهل بلغ مجتمعنا مرحلة يمسك بها خيط التقدم والإبداع عندما يعتمد على مفكريه ويستنبت الحل من أرضه ويرعاه بيديه؟! أعتقد حينها أن الثروة التي سننتجها ليست في قيمة الثمرة بقدر ما هي في وعي الزارع وفكر المستفيد.
|
|
|
|
|
|
|