|
|
المفكر الواعي..في الإبل المائة !
|
زوار :
1417 -
1/1/2007
|
|
|
المفكر حسب تعريف الدكتور علي شريعتي هو: "من يملك رؤية نقدية. هكذا فحسب" وليس المقام لمناقشة صحة تعريفه بقدر ما هو إبراز أهم ملامح المفكر المعاصر من خلال امتلاكه الرؤية النقدية لواقعه ومستقبله. لذلك نجد هذا النمط من المفكرين هم أقل شريحة في المجتمع، وأكثرها عبئاً للهموم التي تحملها، والرؤى التي تؤمن بها، ومع أهميتهم لأي مجتمع يعيشون فيه تجدهم في حياتهم أقل المميزين شهرة وصيتاً، وأخبارهم لا تكاد تهم إلا القليل من الجمهور, ولكن المتأمل في مسيرة المجتمعات ونهضاتها يلحظ أن أولئك المغمورين هم من يُحتفل بهم بعد موتهم، ويُخلّد ذكرهم وتُنصب لهم الرايات والتماثيل، وينسى غيرهم ممن مُلئت له المدرّجات وسُوّدت له الصفحات .. والمفكر والمثقف والكاتب والناقد والفيلسوف والعالم والفقيه .. ماهيّات تتداخل مهامها، وتتشابك مع بعضها في دوائر الخصوص والعموم ..ولكن من يمكن أن يحمل صفة الواعي المدرك من أولئك؟ هل هو من يسعى لجرّنا إلى سوق الاستهلاك العالمي من خلال فلسفة الاستعمار الجديد ومحاكاة البضائع البشرية التي أنتجتها الشركات المتعددة الجنسيات للشبع والتسلية؟ أم هو الصاعد في برجه القادم في غير عصره، الناظر إلى مرآة نفسه؟ أم هو المقتات بفكره، الكاتب لخبز يومه، الساعي وراء سيده وجمهوره؟ أم هو الهائم في أحلام غيره، المفتون بالجديد، ولو كان من تراث الآخر البعيد؟ لا أظن أن المفكر الواعي يشتري لقبه، أو يكتسبه بماله أو معارفه كما في بعض الصحف والفضائيات, بل يعرفه الناس بطول همّه، وكثرة تأمّله، وعكوف قلمه على الحرث والتحليل والنظر. فيكتب رأيه في الواقع، وينقد حالة المجتمع بنظر ثاقب، ورؤية ناضجة تحمل معها بذور التغيير إلى الأفضل, ويحملهم إلى وعي أمثل محافظاً على أصالته ودينه، ومعتزاً بتاريخه وتراثه, من دون سعي منه إلى تقزيمنا طوعاً أو اغتيالنا أحياءً أو جعلنا شيعاً وأحزاباً. إنه في أوقات الذلة مكمن العزة التي لم تنشغل في العِينة أو تترك الجهاد، أو ترغم أنفها خلف أذناب البقر وبذر الحرث كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. فهذا الأنموذج الفذّ للمفكر الواعي هو مرادنا في أزمتنا المعاصرة. ولكن هل يعني وجوده في مثل هذا الجو الخانق والمصالح الشتّى كفيل بالترحيب به والاهتمام بطرحه، أم أن عودته ستثير الغبار وتحفل بمعاداة الملأ أو الغوغاء والحمقى؟ أسئلة كثيرة أطرحها على مائدة أهل الوعي بيننا، ورسائل أخرى أودعها في بريدهم لعلهم يرونها. إنهم في مجتمعاتهم كالأنبياء في أممهم، بل هم ورثتهم في نقل العلم الصحيح، والنصح الرشيد، والسعي لمصالح الأمة. إن مجتمعنا -وهو يمر بتلك الحقبة من تاريخه، وقد تعدّدت خياراته، وتشعّبت مساربه- لا يحتاج منا إلى مزيد فوضى وتشظٍ في فكر أفراده، وحيرة نشعلها في شؤون حياتهم باسم الفكر أو الرأي, بل ينبغي أن يُترقى بهم في درجات الوعي درجة تلو أخرى بفقهٍ أولويٍّ يوازن بين خياراتهم الأخرى المتعلقة بأرزاقهم، وظروف أعمالهم، ومتطلبات مجتمعاتهم، وحقوق أهليهم، و حتى متع أنفسهم, وبقدر إدخال الحق في النفوس والوعي في العقول يخرج الباطل من السلوك, "وليس البر في الإيضاع" كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم أي العجلة وحطم الناس, والشأن الاجتماعي والفكري لدينا معقد إلى درجة كبيرة زاد من حدته تلك المتغيرات المتسارعة التي خلّفت ظواهر سلبية على أنماطنا الحياتية الراهنة؛ كالإقبال على الاستهلاك والفضائيات، والانفتاح على الأفكار والعادات الغربية على وجه الخصوص، والتأخّر في ركب المدنية وغيرها ..., فالمفكّر العادي عندما يتناول هذه الموضوعات الشائكة والملتهبة في لحظتها، ويقرّر حكمه النهائي في أسبابها وعلاجها، قد يقوده ذلك للتناقض السريع في رأيه؛ لتعدّد أشكالها وتباين مظاهرها؛ لذلك كان من الحكمة والرشد تحويل هذه الظواهر المتشابكة والمعقدة إلى مراكز للدراسة والبحث تجمع أعداداً من أهل الفكر الواعي والتخصص العلمي وتجمع لذلك الدراسات الميدانية والإحصاءات الرقمية, وهذا الشأن الجادّ هو ما تقوم به المؤسسات الغربية على مختلف أشكالها حيال أي ظاهرة أو قرار عام, ولا تتقاعس تلك الحكومات عن دعمها بكل ما تحتاجه مادياً ومعنوياً. لذا فالتريث والتأمل والنظر الواسع للأمور والاستفادة من التجارب الأخرى والاعتناء بعلوم العصر في التحليل والتقويم خطوة نحو الوعي الذي نحتاجه في مجتمعنا, وهذا يكفل وجود الانسجام والتكامل بين أصحاب الفكر والعلم، لا أن يكونوا أسباباً للفتنة والعداوات أو صراعاً للولاءات, ويبقون للوطن صمام أمان في كل نازلة ومدلهمة..
|
|
|
|
|
|
|