من سوق عكاظ إلى ( وول ستريت )
د. مسفر القحطاني
زوار : 1283  -   7/2/2007
 
  يشهد سوق الأسهم السعودي نمواً كبيراً خلال العام الماضي والحالي سواء من حيث حجم المتعاملين، أو معدلات الأرباح، أوالارتفاع الكبير لمؤشر التداول للأسهم المحلية والعالمية، وبالتالي جني أرباحٍ خيالية وغير متوقعة، شكلّت حالة من الاستنفار لدى جميع فئات المجتمع بل وأصبحت حديث المجالس والمنتديات، وأضحى الكل يسعى للحصول على ثمار هذه التجارة الرابحة والرائجة، والتي لا تكلف رؤوس أموال ضخمة، ولا جهود أبدان مضنية أو خبرات طويلة، ويمكن إدارتها من خلال المنزل والمكتب عن طريق الهاتف أو الوسيط، كل ذلك رغبة في صفقة العمر التي يحلم بها كل مواطن يعيش هموم متطلبات الحياة، وغلاء المعيشة، والانسياق نحو رغبات الجموع.
إن الهدف من المقال ليس الخوض في صحة هذه الظاهرة من الناحية الاقتصادية أو جدواها المالية؛ فهذا المجال له خبراؤه وأساطنته الذين لم نرَ دورهم أو نسمع كلمتهم بعد؛ بل المراد التعليق على صدى هذه الظاهرة على تفكير وسلوك المجتمع. وأعتقد أن حُمّى اللهث وراء الربح السريع والثراء الحالم سوف يقودنا إلى انعكاسات ومآزق تنموية واجتماعية خطيرة أذكر منها على سبيل المثال: اختلال الأولويات لدى أصحاب الأموال من الاتجاه نحو الإنتاج ودفع عملية التنمية وبناء مؤسسات المجتمع الاقتصادية إلى الدخول بهذه الأموال الضخمة في مجازفات خطيرة، ومضاربات موهومة تجعل المال دولة بين الأغنياء، وكبار السوق والبنوك الاحتكارية؛ إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أن حجم التدوير اليومي للأسهم المحلية يزيد عن (12) مليار ريال. كما يُلحظ أن من آثار هذه الظاهرة تغيّر مفهوم العمل والكسب من عمل اليد وعرق الجبين؛ إذ أصبح هذا المفهوم واقعاً مرًّا لمن يعيش فيه وهماً مؤرقاً يدفع الناس للخلوص منه إلى الاتجاه نحو شاشات الأسهم وقاعات البنوك والاقتراض منها، وجمع كل السيولة المالية ورميها في محافظها الاستثمارية, هذا المفهوم الخاطئ ربما يشكّل إحباطاً لدى شرائح كبرى من شبابنا العاطلين، والذين يُقدر عددهم نحو (300) ألف لعدم جدوى البحث عن عمل أو بذل الجهد مادام الكسب ربما يتحقق بطرائق أكثر سهولة، وأقل تكلفة، ويظل هذا الفتى اليافع يعيش أحلامه الوردية التي قد لا يستيقظ منها إلا على رصيف العوز والحاجة.
ومن إفرازات تجارة الأسهم الحالية تعويد الأفراد على المخاطرة من غير وعي أو دراسة بل على إدمان هذا السلوك في المتاجرة؛ فسوق الأسهم السعودية يحتل الريادة عربياً، إذ تشكل القيمة السوقية لهذه الأسهم في نهاية عام2000م حوالي 45% من إجمالي القيمة السوقية للأسواق العربية مجتمعة، وأعتقد أن الرقم تضاعف خلال الأعوام التالية.
 وهذه السوق الواعدة لا يوجد بها نظام فاعل أو قانون يحافظ على سلامة الأداء من الأخطاء أو الأخطار القاتلة؛ مما قد يفقد المستثمر طوق النجاة عند أي انهيار قد لا يكون متوقعاً في الوقت الحالي.
 إن الفكرة التي تعقب السكرة بدت ملّحة في هذه الظروف التي يمر بها سوق الأسهم؛ مما يؤكد ضرورة الحد من هوس  المضاربة وتحويلها الى مساقات نافعة للتنمية والقضاء على أزمات المجتمع.
فسوق الأسهم العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية (وول ستريت) مازال شبح انهياره عام1929م ماثلاً في الخيال وقريباً من الأذهان؛ ففوضى المضاربة سببت ضربة لاقتصاد العالم الرأسمالي، وخرج ملايين العمال من وظائفهم، وعاش العالم أزمة اقتصادية تتكرر سيناريوهات في أماكن وأوقات مختلفة في العالم لعل آخرها ما حدث للنمور الآسيوية من انهيار أفقدها كل مدخراتها ومستقبل أجيالها، وانتهى حلم الإصلاح التنموي أمام واقع البحث عن مخرج من المجاعة والبطالة؛ فالثراء السريع يقابله عند التأمل واستقراء الواقع حشود الخاسرين البسطاء.
 كما انعكس تذبذب مؤشرات الأسهم إلى تذبذب الفتاوى والبحوث الفقهية؛ فأدّى نقص الفهم والتكييف الدقيق لهذه المستجدات الاقتصادية إلى تباين الأحكام الفقهية في مسائل الأسهم ومحافظ الاستثمار، كما بدأت مرحلة جديدة من توظيف الأموال في سوق الأسهم روّادها طلاب علم أو وعّاظ في الخوض في أصعب وأدق طرق التجارة، وأكثرها التفافاً بوعود جميلة لا ينقصها وقار الهيئة أو هيبة المنطق! إن الحال الراهنة في نظري تمثل مرحلة للدورة الاقتصادية للمال ودروس التاريخ، والسنن الاجتماعية والبشرية تؤكد أن كل علوٍ هامشي سيتلوه سقوط حتمي؛ ففي الوقت الذي يتحكم بالعالم سوق (الوول ستريت) ودهاقنته النافذين لايزال بعضنا إلى الآن يجمع كنائن الأسهم ويبريها في سوق عكاظ  يستمع للنابغة وينسى العاقبة!.
 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. مسفر بن علي القحطاني