مستقبل الإصلاح في البلاد العربية
د. مسفر القحطاني
زوار : 1285  -   7/2/2007
 
  يعتبر الحديث عن المستقبل نوعا من التخرص والظن يحمل معه الكثير من التوقعات الهلامية  بحيث لا نستطيع القبض على الحقيقة إلا بعد أن نعاينها أمامنا ويفجأنا الواقع بصدمته الراهنة . حينها تظهر أهمية استشراف المستقبل لمن نظر, وتعود للذهن  تلك التخمينات التي صدقت بشهادة الواقع  عليها .. ولهذا قرر الأصوليون قاعدة النظر إلى المآلات كشرط في النظر في أحكام النوازل والمستجدات . يقول الإمام الشاطبي :" وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جار على مقاصد الشرع ". (الموافقات 5/177).
وحتى يأتي استشراف المستقبل أكله ويُلتقط ثمره لابد من دراسة الواقع وتحدياته بشكل عميق واستشعار البعد المجتمعي لتلك التحديات, ومدى التغير الذي تحقق من جرّاء انعكاساتها على فكر و سلوك الأفراد , كما لاينبغي الغفلة عن المؤثرات الاقتصادية والسياسة والفكرية التي يعيشها العالم  فالناس في أي طرف منه بدأوا يتحسسون بعضهم وكأنهم في بيت واحد مشرع الأسقف والأبواب . كما أن سنن الله عز وجل في الأنفس والأفاق ثابتة محكمة فيمكن التعويل عليها فيما يتعسر على الفهم البشري توقعه من أحداث المستقبل ..
إن قضية الإصلاح في البلاد العربية يكتنفها الكثير من الحيرة والغموض وتشكل تيارات الإصلاح فسيفساء بديعة قد تكون تلك التعددية ايجابية وتنموية بشرط أن يعي الكل بمستلزماتها الأدبية .   وقد ساعد على هذا التشكل المحير؛ كثرة الأحداث والمتغيرات التي مرت به البلاد خصوصا بعد أزمة الخليج الثانية وتداعياتها التي وقعت أحداثها في أفغانستان والعراق والصدمات السريعة والمتتابعة التي خلفتها العولمة الإعلامية والمعرفية فلم تسمح لكثير من المشاريع الإصلاحية بالنضج الكافي والاكتمال الصحيح , أضف إلى ذلك أن الإصلاح أصبح سلاحا يمتشقه بعض أطياف المصلحين لتصفية حساباتهم القديمة التي لم تردمها الظروف الأمنية والسياسية الراهنة , كما أن المطالبات الخارجية بالإصلاح المستورد بات قطارها على الأبواب ..
أمام كل هذه المعادلات الصعبة كيف يمكن رصد الواقع وتجلياته الحاضرة فضلا عن استشراف مستقبله البعيد الغامض .. إنها رؤية في العتمة يمنعها من الاهتداء ضجيج الأصوات التي تريد أن تكون هي الأسمع والأعلى؟!
ومع هذه الصعوبة البالغة - من وجهة نظري - تكمن أهمية بل وضرورة استشراف مستقبل الإصلاح العربي .. ولعلي أن أحاول مسك بعض خيوطه وأترك لذهني محاولة النظر في المحتمل القادم المتشعب بين تلك السحب الركامية و البروق الكلامية لأسطر بعض توقعاتي فيما يلي :
1-   أعتقد أن ملف حقوق الإنسان سوف يكون قضية محورية للإصلاح و ستعتمده بعض التيارات الإصلاحية كأساس للتغيير والمطالبات السياسية أو الجغرافية .
2-   التيار الصحوي الذي نمى في العقديين الماضيين لن يكون جماهيرياً تعبوياً كما مضى بل هو على مفترق طرق لابد أن يحدد مساره وفق قناعات فكرية ثابتة لا مجال للعواطف فيها وبالتالي ستغلب نظرة الكيف على الكم ويتلاشى جمهور المصفقين البسطاء .
3-   ستبرز على السطح الإصلاحي بعض التيارات المتطرفة إما غلواً أو انحلالاً سواء كانت دينية أو غير ذلك ؛ يمكّنها من نشر أفكارها التقدم الكبير في تقنية المعلومات ووسائل الاتصال المتوفرة للجميع  فدورها في المستقبل القريب أو البعيد لا يمكن إلغاءه مهما كان الطرح نشازاً أو عفوياً .
4-   لن يكون دور المرأة الإصلاحي في المستقبل هامشياً بل أعتقد أنه سيحتل مركزاً مهما من الاهتمام و المشاركة خصوصاً في المناطق المحافظة , وعدم تهيئة المرأة والمجتمع لتلك المشاركة المنضبطة الواعية سوف يخلف حصاداً مرّاً للأسرة والمجتمع .
5-   الأزمات الاقتصادية محور التحدي القادم لكل المشاريع الإصلاحية وهذا في العالم كله , وأعتقد أن رهان النجاح المادي لن يتحقق من غير الإصلاح الاقتصادي لمشكلات الفقر والبطالة والتضخم .. وغيرها.
هذه بعض التوقعات التي بنيتها على كثير من المعطيات لا مجال لبسطها في هذا المقام إلا من خلال الإشارة السريعة لها من أجل الإحاطة بدورها في مسيرة الإصلاح الوطني القادم .
 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن