|
|
العيد والحب...والخلّ الوفي
د. مسفر القحطاني
|
زوار :
1322 -
7/2/2007
|
|
|
مشاعر العيد في قلب المؤمن عادة ما تكون صادقة وجيّاشة , لأنها امتثال تعبدي لأمر الله بالشكر على نعمه ومننه " ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " . والعيد في كل أعراف الشعوب والمجتمعات طابعه الفرح والتجديد وكسر الإلف المعهود في الحياة ؛ لذلك فهو يتميز بطقوس خاصة و احتفالات بهيجة وتواصل اجتماعي وأطعمة وألبسة مختلفة عما يجري طيلة العام . وأمة الإسلام لما شُرع لها الاحتفاء بالعيد كان تتميماً لمقاصده العالية الصالحة للفرد والمجتمع والمتسقة مع فطرة الإنسان وميوله الطبيعية, ولعل من آكد هذه المعاني ؛ تجديد الفرح في نفوس المسلمين بعد انتهائهم من دورة الصيام التربوية والروحية فيفرح الصائم عند الفطر ويُشرك الفقير في الفرحة بزكاة الفطر, ليعلم الجميع أن في ديننا فسحة وفرح كما أن فيه اجتهاد و صبر وكلها من أنواع العبودية لله سبحانه وتعالى. العيد والحب .. ما العلاقة بينهما ولما جُمعت في هذا العنوان ؟ ولكي أجيب عن هذا التساؤل ضممت لعنوان المقال "والخِلّ الوفي " لأن أذهاننا عند التفكير والنظر في الأمور تتعامل مع الأشياء من خلال ظواهرها المحسوسة دون التأمل العميق والفهم الدقيق لمقاصد الشرع من العبادات كلها؛ فنرى الشرع بمنظار بسيط يجعل من المستحيل أن تأتي العبادات بمقاصد نفسية وعاطفية تملأ القلب حباً وفرحاً , فتنمّي تلك الحاجات التي لا غنى للإنسان عنها مهما كان طبعه وجنسه , فأصبح استخراج تلك المعاني الحميمة من الطاعات البدنية كاستحالات العرب -في المشهور عنهم- للغول والعنقاء والخِلّ الوفي .. والعيد بأحكامه ومقاصده يغرس في أعماق القلب معاني الحب الصادق لله عز وجل وحب المخلوقين سواء كانوا أهله أو أصحابه أو إخوانه في الدين .. فلو تأملنا في أعيادنا الإسلامية لوجدنا أنها تأتي بعد أداء عبادات موسمية تزخر بكرم الرحمن وجوده في مضاعفة الأجور والثواب؛ كالصيام والقيام والزكاة وحج البيت الحرام, فتختلط في القلب مشاعر الشكر والصبر والرجاء بموعود الله وتنقلب إلى حب يطّهر القلب وينمّي الإيمان , يجد العبد فيها من الحلاوة واللذة ما يُذهب تعب الأداء وجهد العمل , لهذا يُستغرب أن يعود العبد بعد تلك المواسم الفاضلة إلى المعاصي والذنوب وقد تعلق قلبه بنفحات الرحيم وكرم الرحمن وهداياه الجزيلة.. كما أن العيد يذكي ويجدد ما برد أو فتر من العلاقات الأسرية بين الزوجين أو الأولاد بالتجمّل باللباس والتوسعة عليهم في هذا اليوم بالهدايا والعطايا واللهو المباح وهذه من أهم مدعمات الحب العائلي, وهي سنّة ذكرها أكثر الفقهاء عند حديثهم عن سنن العيد وآدابه, ولنا في نبي الرحمة -عليه الصلاة والسلام- أسوة حسنة , فهاهو يسمح لعائشة أن تشارك في لهو بريء مع بُنيّات يغنين والنبي -علية الصلاة والسلام- بينهم يسمع حتى إذا دخل أبو بكر وانتهرهما وقال :" أمزمور الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟",كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وكان بينهما قد تغشى بثوبه فقال : "دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد" [ أخرجه البخاري ] . وقد ثبت أيضاً في السنَّة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " وكان يوم عيد، يلعب السُّودان بالدَّرق والحراب ، فإمَّا سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وإما قال : تشتهين تنظرين. فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدِّي على خدِّه وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة . حتى إذا مللت قال: حسبك ؟. قلت: نعم. قال: فاذهبي " [ أخرجه البخاري]. وفي رواية لمسلم قالت رضي الله عنها: " لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي انصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصةً على اللهو ". إن هذه الأفعال المباحة من اللهو والمرح وكل ما يبعث على الفرح في النفوس ويؤنس القلوب ليست مهمشة في تعاليم شرعنا الحنيف أو مما يأنف منها الصالحون -كما يحلو للبعض أن يُفسّره!, فالسنّة في ذلك ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن رغب عن سنته فليس منه . وليس حال الأصحاب والأرحام ببعيد عن مشاعر الحب التي يسقيها العيد في القلوب من الترغيب في الزيارة والتواصل, والتهنئة بالتوفيق للصيام والقيام, والدعاء بالقبول, ولذلك حُرّم الصوم الذي يمنع من المشاركة الكاملة في أفراح العيد ,كما لا يُحرم الفقير بالانزواء عن الناس بسبب فقره؛ بل يجب إعطائه من الطعام وإغناؤه عن السؤال لتتحقق العدالة في الفرح والسرور. ومهما كتبت عن مشاعر الحب التي يذكي لهيبها العيد فلن توفي الكلمات في إدراك تلك المعاني الباطنة , لكن استشعار العبد لها وهو يمارس أحكامها وآدابها سيغرقه في فيوض العظمة ومنن الرحمة لعلها تسقي أراضي اليباب التي سكنت أنفس الكثير منا بسبب جفاف التعامل, وماديات العلاقة وتغييب مقاصد الشرع النفسية والعاطفية..
|
|
|
|
|
|
|