المثقفة السعودية...هل أصبحت ظاهرة صوتية؟!
د. مسفر القحطاني
زوار : 1308  -   7/2/2007
 
  تعتبر قضايا المرأة المعاصرة موضع جدل عريض عند شرائح المجتمع المختلفة كافة، وقد أخذ هذا الموضوع حظاً وافراً من المناقشة والمحاورة والتنظير؛ وقد تولَّد هذا المخاض الطويل عن سيل من الحبر المكتوب في أعداد هائلة من المقالات والدراسات التي لم يُترجم منها في أرض الواقع سوى النـزر اليسير الذي لا يتناسب مع طبيعة المرحلة التي نعيشها.. وهذا ما دعاني لأثير بعض الأفكار، وأناقش بعض المفاهيم لشريحة مثقفة برزت كصوت ناطق للأغلبية الصامتة من نساء المجتمع خصوصاً من حمل منهن لواء التوجيه العام أو الكتابة الصحفية أو الحديث باسم المرأة السعودية من ذوي التوجه الإسلامي.. ولعل المقام يقتضي إبراز أهمها بإجمال في النقاط الآتية:
كثُر الحديث -إلى درجة الإغراق- حول التغيّر السريع لمجتمعنا، وتطور آليات انفتاحه على العالم بصورة مذهلة، والأخطار المحدقة بالمرأة جراء هذا السيل، لكن هذا الخطاب أدّى إلى تمحور جلّ الأنشطة النسائية نحو اتهام الآخرين بالوقوف وراء هذا المدّ التسونامي، ودفع الشبه عنهن، ومحاربة أعراض ذلك التغير دون الغوص في أمراضه، ونشأ بالتالي فقه يقوم على الولاء والبراء لمسائل شرعية نتجت عن هذا التغير؛ كعباءة المرأة، وقيادتها السيارة، أو دخولها الانتخابات أو سفرها بغير محرم، إلى غيرها من القضايا التي لم تصل على مرّ التاريخ الإسلامي إلى أن تكون ثوابت دينية لا تقبل النقاش، ومع أهمية طرحها إلا أن دورها لا ينبغي أن يقفز إلى أولويات أهم وأعظم، لم تُعط الوقت الكافي للتفكير، فضلاً عن التنفيذ كحقوقها المتنوعة، ودورها في التنمية والمشاركة المنضبطة في مؤسسات المجتمع..
أعتقد أن دور المرأة في المرحلة الراهنة قد تقزّم وانكمش نحو الخوف على الهوية والذوبان في الآخر مما حجّم دورها وأضعف إمكاناتها التي لا توجد في كثير من المجتمعات..
 إن ما نملكه من قيم إسلامية ومنهج رباني يكفل للمرأة قدراً من التأثير ودوراً في الإصلاح ينبغي إبرازه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المرأة السعودية. ولا يتم ذلك إلا بإقامة البرامج التنموية والمشاريع البناءة من خلال مؤسسات اجتماعية ومراكز بحثية ومعاهد فنية واقتصادية تعالج كافة مشكلات واحتياجات المرأة، وتدمج كافة ألوان الطيف الاجتماعي من غير تمييز أو تهميش لأحد. وهذا ما ينقلنا من خنادق الدفاع المميت، وأقبية الانطواء المخيف إلى مرحلة بناء المشاريع المتقدمة والفضاء المفتوح نحو مجالات حيوية في أرض الآخرين.
إن ضمور الفكر الناقد وانسداد آفاق التفكير الموضوعي لدى الكثير من المثقفات الإسلاميات ربما يؤجل الكثير من المبادرات التنموية لنساء المجتمع، ولعلي أبرر هذا الغياب بقلة الوسائل الناجعة لإيصال أفكارهم وتنفيذها من خلال النظم والقوانين، وكذلك وصاية الرجل الكاملة عليها؛ مما أدّى إلى ذهاب الكثير من الجهود بلا جدوى، وما له جدوى لا يجد ما ينمّيه من جهود وأموال.
إن غياب هذه الأنماط من التفكير المنطقي وضيق الأفق المعرفي والحضاري لدى النخب النسائية، وندرة المؤسسات العلمية وقلة الأنشطة الذهنية- ساهم في بروز الكثير من الظواهر السلبية الاجتماعيّة، وغلبة الحمى الاستهلاكيّة نحو الكماليّات وأدوات الزينة وآخر صيحات الموضة، مما لا يوجد في المجتمعات غير المسلمة! مما هوّن في اهتماماتها وأضعف من همّها، فأصبحت أكثر ميْلاً للخرافات والشائعات، وربما أعمال السحر والشعوذة.
 إن خضوع المرأة لميولها العاطفيّة بدرجة كبيرة على حساب العقل والمنطق انعكس حتى على استقرارها الأسري وقدرتها على احتواء مشكلاتها الخاصة، وأصبحت أكثر عرضة للانسياق نحو الإثارة العاطفية أياً كان مصدرها.. وأعتقد أن هذه الحالة ليست حكراً على فئة خاصة في المجتمع وإن تفاوتت درجاتها، فالقواسم المشتركة بينهن تجعلها ظاهرة نسائية في مجتمعنا السعودي.
إن صحوة الفكر الحر المنطلق من مشكاة الشرع الحنيف ومقاصده الكلية والقادر على برمجته في مشاريع حضارية هو ما نأمله من النخب المثقفة، ولا يتم ذلك إلا بالفكر الواعي، والتخطيط السليم، والفعل الجماعي الذي يولد مشروعاتنا الإسلاميّة الحاضنة لكل المتغيّرات الراهنة، دون الحاجة لإشغال الوقت وتضييع الجهد بالردّ أو الهجوم على المستورد الأجنبيّ، وإن علت أسهمه في سوق مجتمعنا النسائيّ؛ فالأجيال القادمة تحمل الكثير من التساؤلات المُلحّة حول الحريات والحقوق والعدالة و المساواة الكاملة مع الرجل وغيرها..
وأفضل إجابة عن تلك التساؤلات الحتميّة ما يرونه عياناً من مشاريع تنموية يندمجون فيها ويمارسون من خلالها دورهم في البناء، وتصبح مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة والنهضة والحضارة حقائق حاضرة في أنفسهن ومجتمعهن.. إن هذه الخطوة تأخرت بما فيه الكفاية، وقد حان الوقت لتصمت أبراج النخب العاجيّة، وينطق العمل البناء، ونغرس فسائل النخل المعطاء؛ فالساعة لو قامت وبين يديّ إحداكن فسيلة "فلتغرسها"!
 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي