تجديد العلوم الإسلاميّة...تكميل للمسيرة أم تبديل للشريعة؟
د. مسفر القحطاني
زوار : 1233  -   7/2/2007
 
  "التجديد" من المصطلحات التي حظيت بالكثير من الاهتمام وتسليط الضوء لأكثر من عدة عقود من الزمن ظهر خلالها صراع الأجيال نحو إرادة التغيير أو إلف القديم, كما استُغلت مناهج التجديد في القرن الماضي للخوض بها في معارك الإصلاح السياسي كأداة لتطوير فكر المجتمع ومؤسّساته الدينيّة المسيطرة على الرأي العام في كثير من البلاد الإسلامية من أجل تسييسها وتهميشها ضمن مسارات الدولة الحديثة، كما حصل في تركيا بعد أتاتورك وانقلابه على الخلافة عام 1924م، وما حدث في الأزهر بعد ثورة يوليو 1953م، وما فعله ساطع الحصري في سوريا والعراق إبان توليه وزارة المعارف في العشرينيّات الميلادية، وما يحصل هذه الأيام من إغلاقٍ للمدارس والمعاهد الدينية في كثير من دول المنطقة ولكنه في هذه المرة يجري من غير انقلاب أو ثورة!.. هذا التاريخ الذي لا يزال يحكي صراع التجديد وتحدياته وتجاربه وتخيلاته بين أدعيائه وأعدائه هو ما نحتاج أن نقف معه، ونعيد النظر فيه بشكل جادّ ومستمر حول مفاهيم وآليات التجديد، وبخاصة في العلوم الشرعيّة, هذه العلوم التي كانت فخر الأمة ومصدر عزتها وحضارتها لا يمكن أن تكون هي ذاتها سبب تخلفها وضعفها كما يتذرع منتقدوها, والواقع المعاصر يؤكد أن علوم الشريعة قد أصبحت ملجأً للضعفاء وموئلاً للكسالى ووصمة تخلف وسمة انتقاص لطلاب الشريعة وفقهائها في بعض المجتمعات الإسلامية.
إن هذه النظرة الدونيّة لتلك العلوم ليست دائماً تآمراً من الأعداء ومكائد ضد الإسلام -كما يتصور البعض- بل أعتقد أن تفريطنا في المحافظة على علومنا، وتنقية تراثنا، وإصلاح مناهجنا، ثم إهمال تطويرها لمواكبة المستجدات المعاصرة، وإيجاد الحلول لمشكلاتنا الفكرية والحياتية المختلفة سوف يُغيّب هذه العلوم عن الحياة المعاصرة، وينمي الرغبة للحلول المستوردة، وبالتالي تصبح مؤسّساتنا وجامعاتنا الشرعيّة مصنعاً لإنتاج الكتب والمدونات لمجتمعات ماضية ولظروف مختلفة.
إننا في حاجة ماسّة لتفعيل دور تلك العلوم لتفي باحتياجاتنا وتواكب متغيرات مجتمعنا المعقّدة, ونقوم فعلاً لا لفظاً بالدور التجديدي لها من غير أن نلغي أو نبدّل في سمتها العام وأصولها التي قامت عليها.
فالمعارف البشرية إذا توقّفت عن الإبداع والتجديد تأسنت في عقول أصحابها وشاخت أفكار روادها، وأرغمتهم نحو التبعيّة والانسياق في ركب الأمم المتقدمة، وتصبح علومهم مهما كانت نفاسَتها كالنقود التي ولّى زمانها وذهبت قيمتها.
ومن المؤسف أن دعوات التجديد ارتبطت في ذهن البعض بأنموذج خاطئ أراد محو الماضي، وإبدال الوحي المعصوم بآراء بشرية تحكمها مصالح آنية، وهم كما قال فيهم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: "إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة ‏والشمس والقمر!!", فهذا التطرف في دعوى التجديد لا ينبغي أن يقابله تطرّف في الانغلاق والتقليد, وأحسب أن أهل العلم والبصيرة من حملة العلوم الشرعية على عاتقهم مهمة كبرى تلزمهم المبادرة في وضع مناهج ورؤى جديدة في تصنيف وتدريس وتنزيل العلوم الشرعية على معاش الناس واحتياج مجتمعاتهم الحاليّة والمستقبليّة دون الغفلة عن تكوين الطالب والمعلم التكوين الذي يؤهله للتعايش الايجابي مع واقعه وتعميق وعيه بمجريات الأحداث التي حوله وهذا ما جعل علماءنا يزيدون دوماً من الشروط المؤهلة للمجتهد والناظر في الأحكام تبعاً للمتغيرات الحادثة والوقائع المتشابكة مما ألزمهم في عصرنا الحاضر أن ينادوا بجماعية الاجتهاد سداً لنقص التصور للواقع من الآحاد, وهذا على سبيل المثال و إلا فحالات النهوض والتجديد في تاريخ علومنا الشرعية تعدّ منارات عطاء وهداية للأجيال اللاحقة، أضاءها الشافعي في رسالته والغزالي في مصنفاته الفقهية وابن تيمية في فتاواه واختياراته والشاطبي في موافقاته، وغيرهم من رواد التجديد الديني في مسيرتهم الصادقة والمتتابعة كما أخبر عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" رواه أبو داود.
إن العلوم الشرعية هي النافذة التي يطلّ منها العالم على الإسلام، وطلاب هذه العلوم قد وضعوا أنفسهم نماذج حيّة تحكي مبادئ وقيم هذا الدين، وبقدر مدخلات المعارف الصحيحة والتربية القويمة لهؤلاء الأفراد تكون المخرجات المتوقعة القادرة على حمل المشروع النهضوي للأمة في رهانها الحضاري الكبير على البقاء أو الفناء..
 

 

الإسم    
الدولة  
البريد الإلكتروني       
تقييم الموضوع  
التعليق    
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي