الغربة...نحن
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1478  -   7/2/2007
 
 

سألتني وألحت عليُ بالسؤال الذي حاصرتني به لسنوات طويلة كلما التقينا ، أو تحادثنا : ترى ما هي الغربة ؟ غربة الزمان ؟ أم غربة المكان ؟ غربة الأهل ؟ أم غربة الوطن ؟ غربة الروح ؟ أم غربة الفكر ؟ أم تراها غربة المبادئ والقيم ؟ أم هي ذلك كله جميعاً ؟
لماذا يغتالنا الشعور بالغربة ونحن بين أهلنا وأحبائنا ، على أرضنا وفي أوطاننا ؟
غربتي غربة المشاعر والروح         وإن عشت بين أهلي وصحبي
     لماذا يجتاح ذلك التصحر الرهيب أعماقنا ويغتال أجمل ما في دواخلنا ؟ ما سر ذلك الجفاف القاسي الذي يغمر أرواحنا ؟ والقلق الصامت الذي يدفعنا للبحث عن شيء لا ندري ما هو ؟ لماذا تهفو النفس إلى شيء لا تجده ؟ ويرنو البصر نحو أفق لا نهاية له ؟
الكثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات التي تحملها نظرات تمتزج فيهـا الحيرة بالقلق، ويعشعش فيها حزن دفين ، وألم قديم متجدد يغتال الكلمات .
أجرجر وحدتي في كل حشد     وأحمل غربتي في كل جمع
الغربة يا غالية .. هي بعض ذلك أو كله وزيادة عليه . هي جزء من تكويننا الروحي والنفسي ، تقطن في دواخلنا ، تغيب وتظهر ، وتنمو وتضمر بقدر وعينا وحجم إدراكنا ، ومدى قدرتنا على التلاؤم مع الواقع حولنا ، أو انفصالنا عنه . تزيد بقدر محاولتنا أن نسمو بذواتنا ، ونعلوا بقيمنا ومبادئنا ، ونمارس إنسانيتنا وإسلامنا حقاً ، معنى ومبنى ، في عالم أخلد إلى الأرض وانغمس في مادياته ومصالحه وأهدافه وتطلعاته اللاهثة أبداً خلف السراب .
 الغربة .. أن نتحدث بلغة لا يفهمها أحب الخلق لنا ، ونتكلم بصوت لا يسمعه أقرب الناس منا .
 الغربة .. أن نعيش يومنا دون حلم ننتظره ، أو أمل نترقبه ، بعدما تبخرت أحلامنا تحت وطأة الواقع كقطرات ندى لامستها أشعة شمس الصباح ، وتلاشت آمالنا كسراب لملمته شمس المغيب ورحل معها .
 الغربة .. أن نبحث عن جرعة محبة صادقة لم يكدر صفوها مطامع مادية ، أو مصالح شخصية فلا نجد سوى الجفاف وقحط المشاعر فنطوي على الظمأ .
 الغربة .. أن نبحث عن حضن دافئ يضمنا بحنان ونشعر عنده بالأمان في لحظات ضعفنا وانكسارنا فلا نلقى إلا لسعة الصقيع ، وجمود القسوة .
الغربة .. أن تبحر مراكب صدقنا في خضم بحر لجي متلاطم من الكذب والزيف .
الغربة .. أن نكون مختلفين في وسط قوالب بشرية متكررة لا تقبل إلا صورتها ، أن نعيش العمق في زمن السطحية والتفاهة .
 الغربة .. أن نفتش عن ذواتنا في كل ما حولنا فلا نرى إلا الفراغ الممتد .
أن نبحث عنا فينا فلا نجدنا في دواخلنا ، أن يقيدنا الزمان ونحن خارجه ، ويشدنا المكان ونحن بعيدين عنه .
 الغربة .. هي ذلك كله ، أو بعضه ، أو أكثر منه بكثير مما يعتمل في دواخلنا ولا نقوى على البوح به ، أو نجرؤ على الحديث عنه ، تمتد لتغمر عمرنا كله وتنخر أعماقنا بصمت ، أو تنحسر لتستوطن جزءاً خفياً من أرواحنا ومشاعرنا .
 فكل منا يحمل بذور غربته في داخله ويعيشها بأسلوبه الخاص ، وفق وعيه وإدراكه ومصداقيته مع نفسه ومع من حوله.
 لكن ذلك كله يتلاشى حين تلامس جباهنا الأرض في لحظة سجود مخلصة لله رب العالمين .
 ذلك كله يذوب مع كلمة (يا رب) تخرج صادقة من القلب تعانقها نظرات محلقة إلى السماء .  فمع الله وحده نجد الأنس ونشعر بالأمن ونعيش الاطمئنان ، لأننا نعثر على حقيقتنا المفتقدة .

وقفة ..
 كل يريدك لنفسه إلا الله يريدك لنفسك .
 
آخر الكلام ..
يقول الشيخ الدكتور عايض القرني :
  طويل الشوق يبقى في اغتراب
     فقير في الحياة من الصحاب
  ومن يأمنك يا دنيا الدواهــي
     تدوسين المصاحب في التراب

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. مسفر بن علي القحطاني