وللحقيقة وجوه
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1231  -   7/2/2007
 
 

لقد أصبح للحقيقة الواحدة في واقعنا المعاصر وجوه متعددة ، تتعدد باختلاف الزمان ، وتغير المكان ، وتبدل الإنسان ، وتنوع الظروف. حيث أصبح لكل عامل من هذه العوامل دوره الواضح في إبراز هذا الوجه أو تعتيم ذلك الوجه . ومع تعدد وجوه الحقيقة إلا أنها تبقى حقيقة ثابتة لا تتغير !!
تلك قناعة صار يتبناها كثير من الناس لتبرير مواقفهم أو تأييد آراءهم أو عند تبنيهم لقضية ما تخدم مصالحهم .
والتسليم بهذا الرأي في تصوري قد أفضى إلى تقرير قاعدة ( نسبية الحقيقة ) . وفي هذا من الخطر ما فيه فالأصل أن للحقيقة الواحدة جوهر واحد لا يمكن أن يتغير مضمونه ، أو تتبدل صورته ـ وإن تعددت مظاهرها ـ وإلا فلن تكون حقيقة ثابتة ؛ بل معنى متغير .
فالادعاء بتغير الحقائق وفق المستجدات والملابسات قد أدى إلى العبث بما يرتبط بها من القيم والمبادئ والأخلاقيات ، فضلاً عن ثوابت الدين ، وأصول المعتقدات ، ودلائل الشرائع . فكان أن التبست في أذهان كثير من الناس ، واختلطت فيها الأصول السماوية بالادعاءات البشرية ، ومقاصد الشريعة بالمكاسب الآنية ، والإيمان بهوى النفس ، واختلط الصدق بالكذب وامتد بينهما مهرجان من الألوان .
وتعددت مدلولات الأمانة وتشابكت خيوطها بالغدر والخيانة ، وصارت للمسؤولية مفهومات مطاطة تتسع عندما يتعلق الأمر بتحمل تكاليفها والالتزام بتبعية وزرها ، فيفر منها الجميع ويتبرأ ليقذف بها في وجه الآخرين ، حتى لا تكاد تجد من يتحملها وكأنها تقبل من فراغ وتمضي إلى فراغ .
وتضيق حتى لا تتسع إلا لشخص واحد أوحد فقط عند تعلقها بمنصب شرفي ، أو مركز مرموق ، أو مقعد وثير تلفه الشهرة ، وتغمره الأضواء ، وتكسوه الوجاهة بثوب التقدير والاحترام بين الناس .
وغير ذلك كثير وكثير من الحقائق والقيم والمبادئ التي ميعناها وضيعناها وزيفناها ، وكذبنا بها وعليها حين ربطناها بمصالحنا الوقتية واحتياجاتنا الذاتية ، مدعين بأن للحقيقة الواحدة وجوه متعددة لارتباطها بالزمان والمكان ، والإنسان والظروف .
ولكن كيف لنا أن نعيد للحقيقة قيمتها الصادقة التي اغتلناها ، وصفائها النقي الذي طمسناه ، وجمالها الباهر الذي شوهناه ، ونجلو عن جوهرها ما علق به من زيفنا وكذبنا ؟؟
سؤال عميق المغزى ، واضح الإجابة ، صعب التحقيق .. هل أزعم بأن ذلك صار من زمرة السهل الممتنع الذي بات عالمنا اليوم يزخر به ؟؟


آخر الكلام ..
 كم هائل من الأقنعة الملونة والزائفة باتت تغطي الحقيقة ، فكلما نزعنا عنها قناع ظهر لنا تحته عشرات الأقنعة .

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن