قرابة العامين وأصوات مجموعة من المفكرين والأكاديميين والسياسيين الأمريكيين تردد كلمة " الإمبراطورية الأمريكية " وتتبنى فكرة الدعوة إلى تحول أمريكا إلى إمبراطورية تحكم العالم سياسياً ، واقتصادياً ، وثقافياً، وعسكرياً، وتقنياً ، لأنها مؤهلة لذلك بتفوقها في تلك المجالات جميعها ، بل إنهم ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بكثيرمن خلال الدعوة إلى الاحتلال العسكري لبعض الدول لتحقيق الديمقراطية التي يريدون نشرها في العالم، وعلى الأخص العالم الإسلامي منه .
وفي هذا الصدد طالعتنا تحقيقات صحفية مختلفة نشرت في العديد من المجلات والصحف تحاول أن ترسخ مثل هـذا التوجه ، ومنها تلك التحقيقات التي نشرت فـي صحيفة ( وول ستريت جورنال ) لـ ( ماكس بوت كوتينغ) حيث ذكر في معرض حديثه أن الحل يكمن أن تكون أمريكا أكثر إصراراً على توسيع أهدافها وتحقيقها ، ودعا إلى احتلال أفغانستان والعراق عسكرياً ، كما كان الحال بالنسبة للحكم البريطاني في القرن التاسع عشر ، مبيناً أن مثل هذه الدول بحاجة إلى إدارات أجنبية مستنيرة مكونة من نخب مفكرة ترتدي الخوذ العسكرية، كما كان رجال الإمبريالية البريطانية يفضلون . ويبدو أن تلك الدعوة قد وجدت صداها لدى العديد من رجالات السياسة والفكر، فقام ( تشارلس فيربانكس ) خبير السياسة الخارجية بإلقاء محاضرة في جامعة ( ميتشغان ) الحكومية ذكر فيها بأن أمريكا الآن ( إمبراطورية في طور التكوين ) ، وذهب البروفيسور( بول كيندي ) في مقال له في صحيفة ( التايمز ) اللندنية إلى أنه لم يسبق أن وجدت إمبراطورية مثل أمريكا تمتعت بقوة هائلة ولكن بكلفة قليلة .
ويؤكد ( ماكس بوت ) ذلك بقوله : نحن إمبراطورية جذابة.
ويقول المتحمسون لفكرة الإمبراطورية الأمريكية : أنه في عالم يتسم بالفوضى ويعج بالدول المارقة والخلايا الإرهابية ، فإن الهيمنة الأمريكية العالمية تقدم أفضل أمل لتحقيق السلام والاستقرار في العالم .
ويرى المعلق ( تشارلس كراوثامير ) بأن الأمريكيين أصبحوا الآن يستعملون كلمة "إمبراطورية " وذلك لأنه لم يسبق لأي دولة منذ الإمبراطورية الرومانية أن هيمنت على العالم ثقافياً واقتصادياً وتقنياً وعسكرياً كما تهيمن عليه أمريكا اليوم .
ويؤكد لنا ذلك كله بأن الإدارة الأمريكية تريد أن تصنع لها تأريخاً تنافس فيه أوروبا ، وتعوض فيه عما فاتها من غنائم ومكاسب حصلوا عليها في القرون الماضية .
هذه الأطروحات الفكرية والسياسية تجلت واضحة في تصريحات المسؤولين الأمريكيين خلال هذه الأيام في الإعلان الرسمي الذي تؤكد فيه أمريكا عزمها على احتلال العراق وإدارته .
فمن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "كولن باول" في لقائه مع الصحف الأمريكية ذكر بأن ( إدارة بوش تدرس نماذج مختلفة لإدارة صناعة النفط في العراق في حالة شن غزو أمريكي ، وقال : إذا أصبحنا قوة الاحتلال فإنه سوف يتم الحفاظ عليها لمصلحة الشعب العراقي، وتشغيلها لمصلحة الشعب العراقي ) وعد ذلك التزاماً قانونياً على قوة الاحتلال .
وأضاف : ( لا توجد رغبة لدى القوات المسلحة للولايات المتحدة في أن تكون مسؤولة عن بلد، أو أن تدير بلداً لفترة أطول مما هو ضروري لضمان وجود شكل مناسب من الحكم يتسلم السلطة من قوة الاحتلال العسكري ) .
وكانت إدارة بوش قد أبلغت الكونغرس في تقرير رسمي ( إن الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بالبقاء في العراق ، بعد ما يصبح من الضروري القيام بعمل عسكري ، وذلك حسب ما يستدعي الأمر ، للنهوض بمسؤولياتها تجاه الشعب العراقي ، كما أنها ملتزمة بالمغادرة بمجرد أن يكون هذا الشعب في وضع يسمح له بالاضطلاع بتلك المسؤوليات بنفسه ) .
ويبقى تحديد مفهومات كلمات :
الاحتلال ، والحفاظ على مصلحة الشعب العراقي ، والمسؤولية الأمريكية ، وطول الفترة ، وحدود الضرورة ، وإيجاد الشكل المناسب من الحكم ، محكومة بكتاب مصطلحات قاموس المصالح الأمريكية .
ولعل مقولة رئيس وكالــة المخابرات المركزيـة الأمريكية السابـق ( C. I. A) جيمس وولسي في مقابلة له مع مجلة ( دير شبيغل ) الألمانية توضـح لنا معنى تلك الكلمات: ( الديمقراطية تسود أوروبا لكنها تستعصي على الشرق الأوسط . نحن بدأنا الآن مع العراق، لأن الرئيس العراقي صدام حسين بالغ الخطورة ... ولا نستطيع أن نتركه يحكم في الوسط ونهتم بإشاعة الديمقراطية في الأطراف ، علينا البدء في مركز المشكلة ) .
وقفة ..
رأى الذئب حملاً وديعاً يرد عين ماء ليشرب ، فأراد أن يلتهمه ، فقال له غاضباً : لماذا تعكر الماء علي ؟ فرد الحمل : وكيف أعكر الماء وأنت تقف عند النبع وأنا دونك ، والماء يأتي منك لا العكس ؟ فقال الذئب : وتتواقح أيضاً ، ترد علي كما فعلت في العام المنصرم ؟ فرد الحمل بهدوء : ولكني لم أكن موجوداً في السنة الماضية، فأنا من مواليد هذا العام ، وعمري بضعة أشهر فقط . فقال الذئب : إذاً هو أبوك الذي فعل ذلك ، فرد الحمل : لكن أبي قد مات قبل ولادتي بأيام ، فقال الذئب : إذاً هو جدك ، أو أي واحد من أفراد عائلتك الشريرة، ثم هجم عليه وأكله .
ترى: لو أسقطنا هذه القصة على الواقع ما هي النتيجة ؟
آخر الكلام ..
فإن كنت تعجب مما ترى
فما سترى بعده أعجب
فلا تك كالراكب السبع كي
يهاب أنت لــه أهيب
" دعبل الخزاعي"