كثرت في الآونة الأخيرة وبعد تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدعوة إلى فتح قنوات الحوار بين الشرق والغرب بأبعادها ، الحضارية ، والدينية ، والفكرية ،والثقافية ، وهي خطوة جيدة وبداية طيبة لمرحلة تبدو فيها ملامح النضج ، ووضوح الرؤية والخروج من قوقعة الأنا والانحصار داخل الذات .
والحوار مع الآخر خير وسيلة للتقارب أو التباعد من خلال التعرف والتعريف ؛ لذا، فقد اعتمد القرآن الكريم الحوار منهاجاً متميزاً في تحقيق المراد ، فالله سبحانه وتعالى تحاور مع الملائكة ، ومع إبليس ، ومع النبيين . والنبيون بدورهم تحاوروا مع أقوامهم ، بغض النظر عن نتيجة الحوار ، ولكن الأهم هو أن يقوم هذا الحوار على أسس واضحة ، وقيم ثابتة، ومبادئ راسخة ، وأن يكون نابعاً من قناعات شخصية ، لا لضغوطات خارجية مفروضة .
والمتتبع لقنوات الحوار التي يقيمها المسلمون ـ على مختلف توجهاتهم ـ مع غيرهم يجد أنها مختلفة ، تتباعد أحياناً، وتقترب أحياناً أخرى ، ولكنها في الغالب لا تجتمع على أسس واضحة ، أو قواعد ثابتة متفق عليها . مما يفسد الموضوع ، ويضعف النتائج ويشتت الجهود. وأنا هنا لا أحلم بالاجتماع على كلمة واحدة ، والاتفاق على رؤية محددة ، لأن هذا أمر غير متاح على الأقل في المرحلة الحالية ، ولكن الذي أرجو أن يتنبه له الأطراف المشتركة في الحوار هو أننا بحاجة ماسة إلى أن نتحاور مع أنفسنا ومع بعضنا البعض قبل التحاور مع غيرنا ، لكي نعرف ماذا نريد ، ومن ثم نحدد قواعد عامة مشتركة ننطلق منها ، وحدود واضحة نقف عندها ، فلا يفسد بعضنا على بعض ، ولا يقطع بعضنا الطريق على بعض ، والأهم من ذلك كله ألا ننشغل ببعضنا البعض اتهاماً وتخطئة وتكفيراً وتشكيكاً في النوايا والانتماء ، مما يضيع علينا فرصة أن نكون الطرف الأقوى الذي يفرض محاور الحوار وأولوياته وطروحاته ، ولا تفرض عليه فيقبلها تحت وطأة سطوة الواقع وتداعيات الأحداث..
فهل بالإمكان أن نخطو هذه الخطوة ونفتح قلوبنا ، وصدورنا ، وعقولنا لنتحدث مع أنفسنا ، ونتحاور مع بعضنا ونجعل صدق النية ، وحسن الظن ، والتجاوز عن الخطأ ، والتماس العذر، ضمن أولوياتنا ، ومن ثم نحدد قواعد مشتركة نجتمع عليها للحوار مع الآخر.
أظن بأن مواضع اتفاقنا أكثر بكثير من نقاط اختلافنا ، فليتنا نسلم قيادنا لأمر ربنا ، ونخضع لحكم شرعنــا ، ونسعى بجد لردم تلك الفجوة ـ بل الفجوات الكبيرة ـ التي عملنا على تعميقها عشرات السنين . كل ما نحتاجه هو أن نفكر بمصلحة الإسلام ورضى ربنا ، لا بمصالح وقتية ، ورضاً شخصي .
أن نعرف ماذا نريد ؟ وإلى ما نسعى ؟ وبماذا نطمح ؟ ومن أين نبدأ ؟!
آخر الكلام ..
إلى الإخوة والأخوات الذين طالبوني كثيراً بالكتابة في موضوعات معينة ، أقول : كلما حاولت الخروج من دائرة الحديث عن هموم الأمة ، وجدتها تشدني إليها بقوة ، فالتمسوا لي العذر فقد أصبحت هموم الأمة همي الأكبر .