منذ عدة أشهر وأنا أتابع بدقة وتأمل وتحليل ما يجري على الساحة العالمية بشكل عام، وما يتعلق بالأمة الإسلامية والعالم العربي على وجه الخصوص ، أتابع الطروحات والتعليقات والتحليلات ، والكتابات ، والحوارات ، والمناقشات ، وردود الفعل على مختلف المستويات ، خاصها ، وعامها، مثقفها ، وجاهلها ، سياسيها ، وفكريها ، ثقافيها واجتماعيها،عبر المنابر الإعلامية المختلفة ، في محاولة لرصد حقيقة توجه الرأي العام . والموقف العام ، وقد جاءت أحداث 11 سبتمبر الأخيرة بردود فعلها التي لا تقل عنفاً عن الأحداث نفسها ، لتؤكد لي أن الرأي العالمي بأبعاده الغربية والإسلامية والعربية ، ينطلق من قاعدة التوجيه الإعلامي ، فردود الفعل ، والموقف، والرأي ، والقرار ، بمختلف توجهاتها ، بين مؤيد ومعارض ، موافق ورافض ، مهاجم ومدافع ، لم تستطع قط أن تتخلص من تأثير توجيه الخبر ووكالات الأنباء ، ولم أجد فيما قرأت أو سمعت ، أو رأيت مما نشر باللغتين العربية والإنجليزية وما ترجم إليهما من اللغات الأخرى رأياً أو تحليلاً أو دراسة ، أو تقريراً اتسم بالموضوعية ، والاستقلالية والبعد عن التأثر بتدفق الخبر الإعلامي .. ولهذا الأمر دلالته في الدور الخطير الذي يمارسه الإعلام في توجيه الرأي العام والقرار السياسي، والموقف الاجتماعي .
لن أتحدث عن صلب الأحداث ، ولكني سأتناول موقفنا مما يجري وردود فعلنا غير المدروسة ، فقد استطاع الإعلام ( وبخاصة إعلامنا العربي ) وكما هي العادة ، أن يحول الأحداث إلى وسيلة فتاكة لتأصيل الفرقة بين صفوف المسلمين ، وتشتيت قلوبهم ، وتمزيق وحدتهم ، وتفريق كلمتهم وتحويلهم عبر منابرها ، وفي حواراتهم العامة إلى أعداء متناحرين، وأضداد متنافرين يتهم كل منهم الآخر ، ويلقي التبعة عليه ؟ يتبارون في اتهام قادتهم ، وشتم زعمائهم ، وتجريح علمائهم ، منطلقين من قاعدة أخبار تبنتها وكالات أنباء ومحطات مشبوهة لا يهمها إلا الإثارة ، وتهييج الرأي العام ، دون تحقق من مصداقية الخبر ، وسلامة مصدره. لقد وقع إعلامنا وأوقع الناس معه في شرك أعدائنا ، فكان الخاسر الأكبر في هذه القضية نحن العرب والمسلمين .
فها هي انتفاضة القدس وبعد عام من الصراع المرير والشهداء والقتلى والجرحى والديار التي خربت ، والأرواح التي أزهقت ، قد توارت عن مسرح الأحداث ، وتحولت إلى إرهاب يجب استئصاله، ومصدر إزعاج ينبغي القضاء عليه .
وها هي مراكز الدعوة الإسلامية في العالم وبعد عشرات السنين من العمل الدؤوب الجاد لتصحيح المفهومات المغلوطة عن الإسلام وتنقية صورته التي شوهت لسنوات متعددة، والتي بدأت تخطو خطواتها الثابتة في الطريق الصحيح وتجني ثمار جهد سنين تصاب بنكسة خطيرة ، لماذا ؟ لأن الإسلام ربط بالإرهاب زوراً وبهتاناً .
وها هي الهيئات الخيرية وهيئات الإغاثة الإسلامية تحاصر ويضيق الخناق عليها بدعوة دعم الإرهاب .
وها نحن أولاً وأخيراً لا تزيدنا الأحداث إلا اختلافاً وخلافاً وعداوة وبغضاء ، وانسياقاً وراء المرجفون في الأرض .
قبل الختام :
ليتنا نتعلم من اليهود الذين يعرفون دائماً كيف يستفيدون من الأحداث ، ويحولونها لصالحهم ، ويمسكون بزمام أمورهم وألسنتهم ، فلا يفعلون ولا يقولون إلا ما يؤيد موقفهم ، ويعزز ادعاءاتهم و يحرك الرأي العام باتجاه مصالحهم ودعم توجههم ، و لا تزيدهم الأحداث إلا تكاتفاً ، واتحاداً والتفافاً حول قادتهم وزعمائهم وأحبارهم، متناسين ، أو متجاهلين ، أو مخفين خلافاتهم واختلافاتهم في سبيل تحقيق مصالحهم العامة لترسيخ أقدامهم في أرض فلسطين المحتلة ، وفي توجيه الرأي العام العالمي والتحكم به .
آخر الكلام ..
لو حاولنا تجاوز خلافاتنا ، واختلافاتنا ، وتحزباتنا ، وأحقادنا وكنا على قلب رجل واحد ، ووقفنا وقفة رجل واحد لكان لنا شأن آخر .