مع استمرار الانتفاضة ، وازدياد الأوضاع سوءاً بالنسبة للفلسطينيين ، وتصعيد عمليات الحصار ، والقتل والتدمير من قبل اليهود .. في مواجهة تفتقد أقل عناصر التكافؤ من حيث القوة ، والقدرة ، والتمكن بنواحيها المختلفة ، سياسياً ، وعسكرياً ، ومادياً ، وتقنياً ، وغيرها .
تحاصرك جيوش من الأسئلة الصغيرة ، البريئة ، اليسيرة ، المباشرة ، في كل ملتقى، أو حوار . تراها في عيون الأطفال والكبار ، النساء والرجال . أسئلة من شدة وضوحها ، وبساطتها لا تجد لها إجابة شافية أو مقنعة ، على الرغم من كثرة ما أجيب عنها ، وما أثير حولها من طروحات وحوارات ، ومناقشات ، وبني عليها من النظريات والدراسات ، إلا أنها بقيت دون جواب مقنع للإنسان العادي أو من اصطلح على تسميتهم بـ ( رجل الشارع ) .
كثيراً ما طرحت علي هذه الأسئلة ببراءة تحترق شوقاً لمعرفة الجواب .
ألسنا بالمسلمين .. أليسوا هم اليهود ؟
ألسنا على الدين الصحيح والعقيدة الحقيقية ؟ أليسوا هم من حرفوا دينهم ولعنوا على ألسنة الأنبياء ؟
ألسنا أصحاب الحق .. وهم المغتصبون .. ؟
ألسنا كثرة تجاوزت آلاف الملايين .. وهم قلة لا تتعدى بضعة ملايين !؟
ألسنا نملك المال والرجال و ... و ... ، وهم ... و ... و...
فلماذا نغلب على أيديهم ، ونهزم أمامهم .. ؟
لماذا نعجز عنهم .. ولماذا لا ينصرنا الله عليهم ؟؟!
ماذا يمكن أن تفعل حجارة بأيدي العزل المحاصرين الجائعين أمام هذه الترسانة المتطورة من الأسلحة بأيدي جيش مدرب .. ؟
إلى متى ؟ ولماذا .. ؟ وكيف .. ؟ وأين .. ؟
أسئلة تواجهني في كل مكان، واسمعها من كل من لقيت ، أو حاورت . أحياناً كنت أرى اللهفة والحسرة والرغبة الحقيقية في معرفة الإجابة .. وأحياناً أخرى كنت أرى في طرحها نوعاً من التخفيف عن النفس ، ومحاولة للبحث عن تبرير مقنع أو غير مقنع، المهم أن نجد تبريراً لما يحدث ويدور ، لعلنا نخفف من حدة الشعور بالإنهزامية والضعف والصغار الذي بات شبحاً يطاردنا في كل لحظة من لحظات حياتنا .
ولن أدعي بأني أملك الإجابة الشافية عن هذه الأسئلة، ولكن لنتأمل الواقع ونحـاول تحليله عسانا نجد باباً نلج من خلاله إلى الرد عن هذه الأسئلة بالعمل لا بالكلام ..
- الانتساب إلى الإسلام لا يكفي وحده للإصطفاء والنصر والتأييد . لأن النسبة إن لم تقم على واقع إيماني وسلوك عملي فهي نسبة لا تغني ، وإدعاء لا يفيد ، وزعم تكذبه سنة الله في خلقه ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) الحج : (40)، فهل نصرنا دين الله حقاً في أنفسنا ، وواقعنا ، وحياتنا كلها .. ؟؟ لنطالبه بأن ينصرنا؟؟!!
- لا يكفي أن نكون أصحاب الحق ، أو أننا نرى الحق ونعرفه ، لنحصل عليه .. ولكن ينبغي لنا أن نملك القوة في إحقاق الحق والدفاع عنه والعمل لأجله . وقد شغلنا بمصالحنا، وشؤوننا عنه فضاع منا .. لم نتعلم كيف نعتمد على أنفسنا ، أو نستغنى عن أعدائنا .. ومازلنا المستهلك الأكبر لحضارتهم بخيرها وشرها ، حلوها ومرها ، صالحها وفاسدها دون تمييز أو انتقاء . الحق يحتاج إلى قوة حقيقية ذاتية ، لا حضارة زائفة مستوردة .
- النصر يبدأ من داخل النفوس . ونفوسنا مازالت مسكونة بالحقد والكراهية ، والغش ، والحسد ، وسوء الظن . نخون حكامنا ، ونتهم علماءنا ، ونحارب مبدعينا ، ونلعن المتفوقين منا ، نشكك في قضايانا ، ويكيد بعضنا لبعض ، ويمكر بعضنا ببعض، ويشوه صورته أمام العالم عبر الفضائيات ، ثم نطمع أن ننتصر على أعدائنا .. كيف؟ ونحن مهزومون أمام أنفسنا !؟
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد : 11 .
- أما اليهود .. فلن أتحدث عن قوتهم، وقدرتهم ،وذكاءهم وسيطرتهــم على العالــم، وتحريكهم له. فالأمثلة كثيرة ويكفينا منها ما حدث أثناء انتفاضة القدس وتمكنهم من تحييد العالم ، وما حدث ويحدث في انتخابات الرئاسة الأمريكية والتي فضحت فيها ديموقراطية العالم المتحضر .
ولكني سأقول بأنهم قد انطلقوا من هدف عقدي بحت . استطاعوا من خلال تمسكهم به أن يلغوا دولة كاملة السيادة من على خريطة العالم، ويحلوا دولتهم بديلاً عنها وبدعم عالمي ، ثم يشردوا شعباً من أرضه ليصنعوا لهم شعباً من شراذم مشتتة ، ومازالوا يتمسكون بحلمهم العقدي الديني في بناء هيكل سليمان وبناء مملكة يهود الكبرى !!
وتبقى صهوة العقيدة أقوى واثبت وأسرع الوسائل للوصول إلى الهدف مهما كان صعباً وبعيداً ، بل ومستحيلاً .
آخر الكلام ..
لقد نجحت فضائياتنا العربية نجاحاً باهراً في استثمار انتفاضة القدس لإثارة الأحقاد ، وإيغار الصدور ، وتفريق الشعوب العربية والإسلامية ، بل وانتزاع ما بقي من ثقة المسلمين بقادتهم ، وإضعاف مواقف القادة وتحريض الشعوب ضدهم ، حينما تحولت إلى منابر لبعض المرتزقة والمرجفين ، الذين فاقت مهاتراتهم بآثارها التدميرية في نفوس الشعــوب وعقولها، قنابل اليهود وصواريخهم فــي أرض فلسطين المحتلة .