لعل من أخطر المشكلات التي نواجهها في هذا العصر هي تعامل عدد كبير من الشريحة المثقفة في عالمنا العربي والإسلامي مع مجريات الأحداث تعاملاً سطحياً يكتفي بالدلالات الظاهرة والإيحاءات المباشرة لها .. إما عجزاً عن الفهم ، وإما تهرباً من تحمل مسؤولية الوعي وتبعات الأمانة .. وفي كلتا الحالتين العذر غير مقبول ، والوزر كبير ..
- الكرسي الرسولي ... وسياسة الهيمنة الكاثوليكية ..
يعتقد كثير من الناس بأن الفاتيكان مؤسسة دينية بحتة لا علاقة لها بالقضايا السياسية ، ولا دور لها في رسم مجريات الأحداث بعد فصل الدين عن السياسة في أوروبا قبل بضعة قرون . وهذا اعتقاد بعيد كل البعد عن الصحة ، وهو أبعد ما يكون عن الواقع ، فالمتابع لنشاط الفاتيكان بسلطته العليا التي يمثلها البابا بتحركاته الكثيرة ، وجولاته المستمرة على الرغم من كبر سنه ، ومرضه وتركيز جولاته على الدول النامية دول العالم الثالث ـ كما يحلو لهم تسميتها ـ وزياراته للدول العربية والإسلامية ، وتصريحاته الداعية إلى السلام والحوار الديني بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث !!
ذلك كله يؤكد حقيقة السياسة الذكية التي ينتهجها الفاتيكان وينفذها بكل هدوء لاحتواء العالم تحت مظلة الكرسي الرسولي لسلطة السيادة الدينية للكنيسة الكاثوليكية ، وتمييع الحقوق الإسلامية في كل بقعة يلتقي فيها الصليب بـ ( لا إله إلا الله ) تحت شعار السلام وحقوق الإنسان والعدالة والحرية الدينية والتعايش السلمي .
- اتفاقية الخذلان ...
في 15 فبراير 2000م دونت اتفاقية بين الفاتيكان ومنظمة التحرير الفلسطينية بشأن القدس .. تضمنت العديد من البنود .. مقدمة و12 مادة .. لقيت ترحيباً إعلامياً غير عادي إلى درجة أن البعض قد عدها صفعة في وجه إسرائيل .. لكن المتأمل في بنود هذه الاتفاقية يروعه ما تضمنته من تنازلات واضحة ومستترة عن الحق العربي الإسلامي في مدينة القدس، والرضا بتدويلها تحت مظلة السلام الشامل العادل والحرية الدينية .
ومما تضمنته تلك الاتفاقية ما يلي :
المادة الخامسة :
تقر منظمة التحرير بحرية الكنيسة الكاثوليكية في ممارسة حقوقها ، وفي القيام من خلال الوسائل الضرورية بمهامها وتقاليدها ومن بينها الروحية والدينية والأدبية والخيرية والتربوية والثقافية .
المادة السادسة :
تقر منظمة التحرير بحقوق الكنيسة الكاثوليكية في الأمور الاقتصادية والقانونية والمالية وتمارس هذه الحقوق بما يتوافق مع ما تنص عليه قوانين السلطة الفلسطينية في هذه المجالات .
المادة السابعة :
يعطي القانون الفلسطيني الفعالية الدينية التامة للشخصية الاعتبارية للكنيسة الكاثوليكية وللشخصيات القانونية الواردة في الحق القانوني الكنسي .
وغيرها من المواد التي لم يرد فيها إشارة واحدة إلى الحقوق العربية والإسلامية في مدينة القدس ، بل قد ورد فيها بعض الفقرات التي تتحدث عن ضرورة ضمان بعض الأمور منها الفقرة (جـ) التي نصت على ( الهوية الخاصة والطابع المقدس للمدينة ، كونها إرثاً دينياً وثقافياً مميزاً للعالم أجمع ) .
وثيقة ضمنت حقوق الكنيسة الكاثوليكية بأبعادها المختلفة ولم تعط شيئاً للفلسطينيين أو المسلمين ... فكيف عدت صفعة في وجه اليهود ؟!
لا عتب على الفاتيكان فهذه إحدى غاياته ، لكن العتب على العقول المغيبة ، والبصائر العمي.. التي تدفع عشرات الملايين للاحتفال بدخول الألفية الثالثة تقرباً لأعدائها ولتحاصر المسلمين بالخوف ، والاعتقال ، والتعذيب ، والمتاجرة بقضايا الأمة ..
آخر الكلام ..
تتضافر الجهود الروسية واليهودية والنصرانية على تغيير خارطة العالم الجغرافية وتبديل حدودها وتصفية أبناء المسلمين بمباركة القوى الدولية.
والأمة العربية تتسوق لاهية على أنغام الحفلات الموسيقية في مهرجانات استهلاك الحس الإسلامي .