الوقفة الأولى :
مع بداية كل عام هجري تطوف بي أفكاري بلاد المسلمين وترتحل بي في تنقلات سريعة متكررة بين ماضي المسلمين وحاضرهم ، ويستغرقني تأمل لا ينقطع لكلمة قليلة الحروف عظيمة المعاني بعيدة المغزى ( الهجرة ) .
تلك الكلمة التي اختزلناها في زمننا هذا في حرف واحد (هـ) حرف لم يعد يعني عند كثير من المسلمين شيئاً بعدما أقصوا أصله من حياتهم وتعاملاتهم ، وتاريخهم ليستبدلوا به (م) الميلادية .
وليت الأمر توقف عند استبدال حرف بحرف ، لكنه استبدال كلي شامل شمل كل شيء ، ألسنا في زمن العولمة ( العوالمية )؟! .
إن إختزالنا للهجرة ، لم يقف عند حدود الكلمة ، أو الحرف لكنه اختزال لشريعة مسخنا تعاليمها ولمنهاج طمسنا معالمه ولعزة فقدناها حين انفصلنا عن عراها لنتمسك بعرى من الشرق والغرب .
دين لا عزة لنا بغيره ( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً ) النساء : 139 ، ( من كان يـرد العـزة فللـه العـزة جميعاً) فاطر : 10 .
الوقفة الثانية :
من هجرة اختيارية انتقلت بالإنسان العربي من هامش الحياة ، وبعد عن صناعة الأحداث ، وقادته ليكون مركزاً للحياة وصانعاً للأحداث ، وبانياً لدولة دانت لها الأمم ، وانقادت لها الشعوب ، وامتدت حدودها في مشارق الأرض ومغاربها ، وقادت العالم باسم (الله) وحده إلى تهجير قسري يطارد المسلمين عبر قارات العالم في آسيا وأفريقيا وأوروبا يقتلعهم من أرضهم ويشردهم لاجئين على حدود اليهود والنصارى ، يتسولون العون ويستجدون الرحمة ، ويحلمون بعودة يتاجر فيها الآخرون .
الوقفة الثالثة :
كسوفا ، ومرارة التهجير ، وقسوة الإنكسار ، وذل ذبح كرامة الإنسانية أمام عيون العالم التي لا ترى ، وآذانه المصابة بالصمم ، وجموع المسلمين الغارقة في اللهو ، والترف ، والنزاع على السيادة .
شعب إسلامي يطرد من أرضه ، ويقتل على أعتاب التقدم ومشارف القرن الحادي والعشرين .
شعب إسلامي يوزع تركة يتقاسمها دول العالم الغربي المتحضر باسم استضافة اللاجئين ورفع معاناة المهجرين . تهجير وترحيل ولاجئون ، حقائق تحمل في طياتها الكثير من المعاني التي ستتضح أبعادها بعد حين ، عندما ينتهي القوي من استعراض قوته وتأكيد زعامته للعالم وتخلو الأرض سكانها المسلمين .
آخر الكلام ..
كم نحن بحاجة إلى إعادة قراءة تاريخنا بتأمل ودراسة واقعنا بعمق ، لندرك مدى الفرق بين زمن الهجرة وزمن التهجير .