نحن والآخرون...تأملات عابرة
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1351  -   7/2/2007
 
 

1-  الحق المصادر ..
      لماذا نبيح لأنفسنا ما نحرمه على الآخرين ..؟ ولماذا يحرم علينا الآخرون ما يبيحونه لأنفسهم ..؟
     لماذا نصادر حق الآخرين في الاختيار الذي نعده حقاً مسلماً به من حقوقنا الشخصية الخاصة ..؟
     ولماذا يصادر الآخرون حقنا بالاختيار الذي يتمسكون به حقاً لازما لهم ..؟
المسألة ـ في تصوري الخاص ـ تحتاج منا إلى طرح صادق ، ومناقشة موضوعية ، وبحث أمين مع أنفسنا قبل الآخرين . ألسنا نحن نمثل الآخر بالنسبة إلى غيرنا ..؟  فإلى متى نتعامل بسلبية ، وسطحية مع مثل هذه القضايا المصيرية التي نصطدم بها عند كل خيار نختاره ، أو قرار نتخذه ..؟
     ثم من هم هؤلاء الآخرين ، الذين يملكون صلاحية مصادرة حقنا بالاختيار والقرار ..؟
أهم المجتمع ؟ أم هي التقاليد ؟ أم هي العادات ؟ أم هو العرف ؟ أم هي الرغبة الأنانية في السيطرة على الآخرين والاستبداد بهم ؟ أم هو جماع ذلك كله وهو ما اصطلحنا على تسميته بـ ( المفروض) ..؟
     و لكن من الذي فرضه ، ومن الذي أعطاهم هذا الحق ؟
أهو ضعفنا ، أم هي سلبيتنا ، أم تراه عجزنا واستسلامنا ؟ أم هي أمور أقوى منا ..؟
     وما قيمة الإنسان إذا كان عاجزاً عن ممارسة حقه في الاختيار ، وفي القرار بل وفي الحياة نفسها ، وهو الحق الذي منحه له خالقه ..؟
     وهل يملك بشر أن يصادر منحة الله ؟ شرعاً وعقلاً ..لا ، ولكن واقعاً ، وممارسة .. نعم..!!  فكثيرون هم الذين منحوا أنفسهم هذا الحق ، ناسين ، أو متناسين أنهم لا يملكونه  ولكن إلى متى ..؟؟

 

2-  أخطاء لا تغفر ، وعيوب لا تستر ..
      كل إنسان معرض للوقوع في الخطأ ، ومجانبة الصواب ، في أمر ما ، في شأن ما ، وفي لحظة ضعف ما .. هذه حقيقة لا يختلف عليها ، ولا يغالط فيها . ولكن يتفاقم الخلاف حولها ، وتتحول هذه الحقيقة الثابتة المتفق عليها ، إلى مسألة نسبية لا يمكن التسليم بها ، أو تقبلها ، إذا ما كان المخطئ المجتنب للصواب هم الآخرون .!
     ذلك أن كل واحد منا يجد لنفسه تبريرات لا تنتهي ، وأعذاراً لا تنقضي ، إذا كان هو نفسه من تجنب الصواب ، ووقع في الخطأ ، أما إن كان غيره هو المخطئ ، فلا عذر له ، ولا مبرر لتصرفاته ، بل له منا اللوم والتقريع ، إن لم يكن التجريح والتشهير ..!
    بمثل هذا المنطق الأعور ، الذي لا يرى إلا باتجاه واحد ـ عيوب الآخرين وأخطاءهم ـ يتعامل كثير من الناس ، فنراهم ينشغلون بتتبع أخطاء غيرهم ، وتصيد زلاتهم ، منصبين أنفسهم قضاة تحاكم ، وتصدر الأحكام ، وكأنهم هم أنفسهم أنبياء معصومين ، أو ملائكة منزهين لا يخطئون !

3-  نقد الذات ..
    نلهث .. ونلهث .. وفي غمرة ركضنا اللاهث خلف السراب ـ يقولون السراب ، حلم الصحاري الظمأى بالماء ، بالمطر .. نطارد الحلم السراب ، أو السراب الحلم . فلا السراب يتوقف ، ولا الحلم يصبح ماء ومطراً .
   عيوننا مشرعة تحملق في كل اتجاه .. ترصد الأشياء من حولنا ، بتأمل .. بغير مبالاة .. بأمل .. بيأس ، بحملقة لا ترى ، بلا شيء .. المهم أننا نحملق ، ونركض لا هثين ، بهدف ، أو بغير هدف .
      لو نكف عن مطاردة السراب ، عن اللهاث ، عن الحملقة الغبية ، أو الذكية . 
لو نتوقف لحظات ، نغمض فيها أجفاننا ، ونحول نظراتنا المحملقة إلى داخل أنفسنا ، إلى أعماق ذواتنا ، لنبصر حقيقتنا ، من نحن.. ؟ ، كيف نحن ..؟ ، إلى أين نحن سائرون.. ؟  إلى أين وصلنا ؟
     ليتنا نخلد إلى أنفسنا لحظات ، نبحث فيها عن حقيقتنا الغائبة تحت ركام الأشياء  والأوهام والزيف ، وأشياء كثيرة أفقدتنا أنفسنا ، وأنستنا حقيقتنا ، وحولتنا إلى ذرة غبار تطارد لاهثة سراباً لا يهدأ.
      كم نحتاج إلى وقفة نضع فيها مرآة الصدق أمام أعماقنا، لنرى وجوهنا الحقيقية، و لندرك معنى انتمائنا إلى الإسلام وحقيقة عبوديتنا لله . .


آخر الكلام
     لو يكف كل منا عن التدخل في حياة الآخرين ، وفي شؤونهم الخاصة ، لاستطعنا أن نعيش في أمن وسلام . ولكن (لو) كما يقول أهل اللغة : حرف امتناع يدل على امتناع !
   مأساتنا أننا لا نرى حقيقة أنفسنا ، لأننا مشغولون دائماً بالنظر إلى غيرنا . ولو شغل كل منا بتلمس عيوب نفسه ، وتبين أخطائها ، ومحاولة إصلاح ما بداخله لما وجد وقتاً ينظر فيه إلى غيره .. ولكن نقد الآخرين دائماً هو الأيسر ..!    

 

 

 

الإسم    
الدولة  
البريد الإلكتروني       
تقييم الموضوع  
التعليق    
رمز التفعيل


 
 
 

د.مسفر بن علي القحطاني