وقفات مع لا إله إلا الله
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1598  -   7/2/2007
 
 

الوقفة الأولى..
 يقول الإمام ابن القيم : أعلم أن أشعة ( لا إله إلا الله ) تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه . فلها نور ، وتفاوت أهلها في ذلك النور ـ قوة ، وضعفاً ـ لا يحصيه إلا الله تعالى .
فمن الناس : من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس .
ومنهم :  من نورها في قلبه كالكوكب الدري .
ومنهم :  من نورها في قلبه كالمشعل العظيم .
وآخر :  كالسراج المضيء .. وآخر كالسراج الضعيف .
ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بإيمانهم ، وبين أيديهم ، على هذا المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة ، علماً وعملاً ، ومعرفة وحالاً . وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد ، أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته .

الوقفة الثانية ..
 يقول أ.د. يوسف القرضاوي : الإيمان بـ لا إله إلا الله ، ليس قولاً ، ولا دعوى تدعى ، إنما هو حقيقة يمتد شعاعها إلى العقل فيقتنع ، وإلى العاطفة لتجيش ، وإلى الإرادة فتتحرك .
     الإيمان ليس معرفة ذهنية كمعرفة المتكلمين والفلاسفة ، ولا تذوق روحي كتذوق الصوفية ، ولا مجرد سلوك كسلوك الزهاد والنساك .
     لكنه جماع ذلك كله ، مع السلامة من الشطط ، والإفراط ، والتفريط ، مضافاً إليه الإيجابية في تعمير الأرض ، وقيادة الإنسانية إلى الرشد .
     إن أصل التربية بـ ( لا إله إلا الله ) تعمل على تكوين عقلية مسلمة تفهم الدين والحياة فهماً صحيحاً .
لا إله إلا الله : تريد من المسلم أن يكون همه الفعل قبل القول : فلا يقول إلا ليعمل ، ولا يعمل إلا ليتقن . إنها تجنبه السلبية ، والتواكل ، والاستسلام ، والتشاؤم ، والمراء ، والجدل العقيم .

الوقفة الثالثة ..
 لا إله إلا الله هي .. حقيقة التوحيد ، وعقيدة الضمير ، وتفسير الوجود ، ومنهاج الحياة . هي .. الكلمة التي قامت بها السموات والأرض ، ولأجلها نصبت الموازين ، ووضعت الدواوين ، وأعدت الجنة والنار 0
     هي .. محط السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب .. لأجل هذا كله كانت هي محل اهتمام الإسلام وعنايته ، جعلها شعاره ، وشعيرة تعلن في اليوم والليلة مرات كثيرة ، في : الآذان ، وفي الإقامة ، وفي الصلوات ، لأنها كلمة التوحيد التي يستقبل بها المسلم لحظات حياته الأولى ، ويودع بها لحظاته الأخيرة فيها ، وما بين الميلاد والموت ، كانت هي منهاج الحياة .
 لذا ، فإن قولها ، والإلتزام بها مقيد باليقين ، والإخلاص .. وهما قيدان ثقيلان ، من لم يعرفهما ، ويلتزم بهما ، يخشى عليه من الفتنة .
 يذكـر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تلخيصـه لمسائـل شيـخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمهما الله ـ  أن أكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ، أو يقولها تقليداً وعادة .
     ولأن كلمة ( لا إله إلا الله ) ليست كلمة سهلة تقال باللسان فقط ، أو يعتقد بها فقط ، أو يعمل بجزء منها فقط ، امتنع الكفار ومشركي قريش عن قولها ، لأنهم أدركوا معنى النطق بـ (لا إله إلا الله ) ، وأن النطق بها هو التزام بحقها ، وعمل بمقتضاها ، ومعاداة لمن خالفها، وإن كان أقرب الأقرباء .

الوقفة الرابعة ..
 لا إله إلا الله .. عهد أخذه الله على خلقه جميعاً قال تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) سورة الأعراف : آية 172 .
     هذا العهد مرتبط بميثاق ، وهو الإلتزام بها التزاماً حقيقياً ، التزام المسؤولية تجاه : الله ، والنفس ، والمجتمع ، والأمة . إنها مسؤولية تحقيق التوحيد ومعانيه الحقيقية في واقع الحياة ، اعتماداً على كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والحرص على تطبيق منهاج الله وأحكامه في شؤون الحياة كلها .. وإلا كان التقصير ، وبدأت عرى ( لا إله إلا الله ) تنقض، وتحل ، ونقضها يأتي وفق صور مختلفة ، منها : ما هو واضح جلي ، ومنها ما يكون غامض خفي ، لا يشعر معه الإنسان أنه ينقض دينه .

الوقفة الخامسة ..
 إن المتأمل في واقع المسلمين الحالي يجد غياب هذا العهد من قلوب كثير من المسلمين ، ونقض ذلك الميثاق في حياتهم ، واضطراب علاقاتهم بربهم .
      ومن ثم ، فهم بحاجة ماسة إلى بعث عقدي جديد ، يحيي مفهوم ( لا إله إلا الله ) ، وينتشلهم من السطحية المحيطة ، وسوء الفهم للدين ، ويرسخ أبعاد هذه الكلمة ، في نفوسهم ، وعقولهم، وأقوالهم ، وأفعالهم ، لا لتكون شعاراً براقاً يتحدثون عنه ، أو يفكرون فيه ، أو يعجبون به ، أو يتمنونه .. ولكن لتكون واقعاً معاشاً ، وعملا متحققاً في الحياة ، بتفاصيلها كلها ، وجزئياتها كلها ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) سورة الأنعام : آية 162 – 163 .


آخر الكلام : 

 لا إله إلا الله .. تحرير للإنسان من عبودية الإنسان ، والطبيعة ، وما خلق الله من خلق .

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. مسفر بن علي القحطاني