شروخ في العقل
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 2173  -   7/2/2007
 
 

    مع إطلالة عام هجري جديد ، تستوقفنا لحظات تأمل لواقع المسلمين اليوم ، لا من حيث ظاهر أحوالهم ، ولكن من حيث حقيقة باطنهم ، أو بالأصح كيف هي عقولهم ؟! .
    إن المتأمل في حقيقة الأمر ، ومجريات الأحداث ، تستوقفه تلك الشروخ العميقة التي تشكل بخطوطها المتعرجة والمستقيمة طريقة العقل المسلم المعاصر في التعامل مع حياته و واقعه .
   كثيرة هي تلك الشروخ ، متعددة مساراتها ، عميقة أغوارها ، لكن يكفينا منها بعضها .

 عقلية التبعيض ، وجزئية النظرة ..
     من اخطر ما يواجه المسلم في العصر الحالي هو النظرة الجزئية ، والرؤية المحدودة التي سيطرت عليه ، وجعلته يقف عند حدود حادث ما ، أو خبر من الأخبار ، أو موقف من المواقف ينظر إليه ، وقد يحاول أن يحلله ، أو يفسره ، أو يحكم عليه ، ولكن دون البحث عن خلفياته ، أو أبعاده ومضامينه ، ومن ثم يخرج منه بنظرة قاصرة ناقصة ، غائمة مشوشة .
    هذه النظرة  نمت لديه عقلية التبعيض ، والتفكك ، والانشغال بالجزئيات ، ووضعها في غير موضعها من سلم التكاليف ، والأولويات . إن غياب الرؤية الشمولية الكاملة أسلمت إلى ذلك التخاذل الفكري ، والعجز ، والانحسار ، وأخيراً إلى وضع الأمور في غير مواضعها ، وتضخيم جوانب على حساب جوانب أخرى ؛ فضعف العطاء ، وغاب الإبداع ، وعم التقليد ، وظهر العجز عن تصنيف الأمور ، وتحديد القضايا ، وترتيب الأولويات في حياة الفرد الخاصة ، وحياة الأمة العامة ،  واختلت القدرة على الموازنة بين الحاجات والإمكانات ، وبين الأمنيات والقدرات ؛ فكان الفشل ، و الإحباط ، وانطفاء الفاعلية ، ومن ثم السلبية في التعامل مع الحياة ، والفصل بين الإيمان بصفته عقيدة ، والعمل بصفته تطبيق لها .
   ومع أن المسلم يملك من المقومات الشرعية ، والقواعد الدينية ما يجنبه مثل تلك النظرة ، والعقلية إلا أنه وللأسف الشديد لا يتعامل معها ولا يستحضرها عند النظر أو البحث والتأمل.  وهنا يكمن الخطر ، فقد عرف أعداء الإسلام نقطة الضعف هذه ( النظرة الجزئية القاصرة ، والعقلية التبعيضية ) التي تميز بها مسلمو هذا العصر فاستغلوها في النيل منهم ، وتسييرهم إلى حيث يريدون ، دون أن يدروا ، أو يشعروا ، فضلاً عن أن يقاوموا .

السطحية ، وضيق الأفق ..
      السطحية في الفكر ، أو سطحية العقل تكمن في : التعامل مع ظواهر الأمور ، دون التعمق فيها .  أو لنقل هي : فهم الأمور بظواهرها الخارجية ، دون النفاذ إلى دواخلها ، ودلالاتها ، ومكوناتها ، وأبعادها الأساسية ، التي تعين على التصور الكامل ، والمعرفة الحقيقية لها ، ومن ثم الحكم الصحيح عليها .
    وسطحية الفكر ، أو الفهم ، أو العقل هي وليدة النظرة الجزئية ، وعقلية التبعيض التي امتدت لتشمل حياة المسلمين كلها بما فيها الدين نفسه ، ليصبح تدين الكثيرين منا سطحياً ، يتمثل في التمسك بصور من العبادات استغرقت الإنسان ، وفصلت دينه عن واقعه ، وإيمانه عن حياته ، فعجز عن فهم مقاصد دينه الحقيقية  وأبعاد عقيدته الإيمانية ، ومعنى عبوديته لله،  وفي الوقت ذاته  عجز عن أن يفهم واقعه المعاصر ، فضلاً عن أن يتعامل معه ، ومع معطيات الحضارة ، والتوفيق بينها وبين قواعد دينه بصورة صحيحة متزنة فاعلة مؤثرة . فلا هو يتفاعل مع واقع حياته الشخصية ، ولا واقع أمته الإسلامية ، ولا مع حقائق دينه ؛ فكانت حيرته ، وتردده ، وعدم وضوح أفكاره ومخططاته ، ناهيك عن أهدافه في الحياة ، وبغياب الهدف ، غابت المسؤولية ، وضاعت الفاعلية في متاهات ركض لاهث خلف متاع زائل ، أو مكاسب عاجلة وقتية ، تزينها دنيا غرارة .

آخر الكلام ..
     شروخ في العقل .. وتصدع في القلب أيضاً ..
ويبقى الصمت في عمقه ودلالاته أبلغ من ما يمكن أن يقال كله . 

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن