" ما يطلبه المستمعون ",و " ما يطلبه المشاهدون" أسماء لبرامج قديمة ,كان القائمون عليها يحرصون على جمع اكبر عدد من المشاهدين أو المستمعين من خلال تلبية رغباتهم وطلباتهم المتنوعة , وربما دخلت هذه البرامج في دائرة التنافس و التشويق في وقتها , ولكن تجدد العروض وكثرتها في الأسواق الفضائية واختلال المزاج الجماهيري نحو أمور غريبة ومثيرة , جعل من الضروري التنافس على هؤلاء المتلقين بالجذب والإثارة , مهما كانت الوسيلة المبتغاة , سواء كانت طرق مبتكرة وجذابة ، أو من خلال وسائل خاطئة وساقطة من القيم والمبادئ , مثل : فتح مجال السباب والشتائم للمشاركين , أو إثارة العنصريات والقبليّة بين أبناء الوطن الواحد , أو من خلال مجون العرض لمفاتن المرأة وتسليع كرامتها للامتهان والخسة , ناهيك عن أشرطة الغزل والتعارف الممتهن بين الشباب والفتيات التي تبثه بعض قنواتنا العربية , والتي تجاوزت أعداها حدود المعقول تجاريا , فالفضائيات العربية أصبحت تحتل المرتبة الثانية من حيث العدد عالميا , حيث بلغت أعداد هذه الفضائيات غير مدفوعة القيمة على قمري عربسات ونايل سات ( 263) قناة بالإضافة إلى أربع قنوات مدفوعة القيمة هىART وقناة ORBIT وقناة المجد، وقناة SHOWTIME وقد بلغ معدل نمو الفضائيات العربية 163% منذ يناير 2004 منها 73.8% قناة خاصة غير حكومية , وهذه التنافسية الضخمة أغرت عدد كبير من الفضائيات الغربية إلى الاتجاه نحو إنشاء نسخ تبث باللغة العربية وذلك نظرا لطبيعة السوق الفضائي العربي الجاذب للاستثمار في هذا المجال .
اعتذر للقاري على هذه المقدمة الطويلة التي جاءت استطرادا غير مقصودٍ التطويل فيه , بسبب التطرق للقنوات الفضائية ،لأن الحديث حولها ذو شجون مهما تكرر ،وربما لعدة سنوات سنكرر ذلك الحديث نتيجةً للصدمة الثقافية والمتغيرات الكبيرة التي أحدثها عصر الإدمان الفضائي , ومرة أخرى استطرد حتى في اعتذاري عن الاستطراد ؟!! . وأعود لصلب الحديث وعنوان المقال , وهو المتعلق بشهر الصيام وحرص المسلمين على القيام في التراويح , وهذه نعمة كبرى أراها بوضوح من عودة الناس لشهود القيام جماعة مع الإمام حتى ينتهي , وأصبح العدد لحضور العشاء لا يختلف عنه في البقاء حتى انتهاء التراويح , وأمام هذا المشهد الجميل الأخّاذ , تنتاب بعض الأئمة حالة تقمص للبرامج الإعلامية القديمة في التنافس على المشاهدين والمستمعين – التي سبق أن أشرت إليها-, ولكن من خلال شريحة ما يطلبه المصلون , واعتقد أن المقصد حسن في أصله كجذب الناس نحو التراويح وغيرها , ولكن ظهرت بعض المخالفات التي أظن أنها قد تُذهب بمقصد العبادة الحقيقي , كالدعاء الطويل المتشنج في القنوت كونه هوى لبعض المتحمسين , ومثله الكلمات الوعظية الطويلة بين ركعات التراويح , أو جلب بعض الأصوات الحسنة في القراءة من غير دراية كافية لأصول التجويد والوقف والابتداء , أو من خلال مسابقات تهريجية في المسجد تزيل اثر التدبر وروحانية الصلاة . إلى غيرها من صور غير لائقة بمقصد القيام والصيام , ولعل جانب التذكير والتوعية لمثل هذه الظواهر في غاية الأهمية , نظرا للفرصة السنوية التي نجدها في رمضان ونجد فيها قلوبنا وإقبالها للطاعة والامتثال , مما لا يتكرر في بقية السنة لو حاولنا عيش تلك اللحظات الباهرة .