الوعي المستقبلي في الفكر الإسلامي المعاصر
زوار : 1334  -   13/02/2008
 
 

الدراسات المستقبلية أو علم المستقبل أو المستقبليات أصبحت في الألفية الثالثة مفتاح التغيير والاستجابة الراشدة لتحديات المستقبل ومفاجأاته المحمومة والمتسارعة في حياة المجتمعات المعاصرة  . والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لم تعد متدرجة في أنساقها وانسيابيتها في بُنى المجتمع الفكرية والثقافية بل اكتسبت صفة العصر الحاضر في سرعتها واندفاعها اللاواعي نحو التغيير الحتمي الذي فرضته عولمة السوق المفتوحة وشبكات التلفزة الفضائية ومجريات الساحة السياسية تحت وطأة مرتزقة الحروب الإرهابية, وأصبحنا نندفع مع ذلك السيل العرم بكل غثائيته نحو المصير المجهول المنحدر نحو قيعان التبعية والغواية الاستهلاكية أو الترفيهية كما هي سمة العصر القادم لمجتمعات العربية والحاضر للمجتمعات الغربية .
فمجتمعات تعيش تحت هذه الهيمنة الناعمة لا يمكن لها أن تحدد مصيرها ومستقبلها القادم وأدوات التغيير والتفعيل مازالت ملكا لغيرها .
من هنا كان التحدي للخروج من هذه المآزق بإشعال الشمعة التي تزيل ظلمة الليل الطويل ورؤية الطريق الذي يجب أن نسير فيه وليس الطريق الذي نجبر على السير فيه .
إن الرؤية المستقبلية هي الشمعة التي تحدث عنها (فرانسيس بيكون) والتي قصد بها طريق التجربة الحقيقية ، التي لابد أن نشعلها أولا حتى نرى الطريق بوضوحه المحسوس. فالوعي بتحديات الحاضر واستشراف العمل المستقبلي لمدافعتها و التفاعل الايجابي معها خطوة نحو المخرج الصحيح لأزماتنا المتكررة , ولا يكفي الاستنفار الخطابي لها أو المراوحة الوعظية بجدواها ؛ بل لابد من رسم التجربة العلمية والتخطيط المنهجي لمقاومتها بالتي هي أحسن .
والفكر الإسلامي المعاصر لم تغب عنه أهمية استشراف المستقبل مع محدودية هذا الطرح في الساحة الثقافية , ولكن الذي يشكّل غيابا ملحوظا في برامجنا الثقافية عدم وجود المنهجية العلمية التي تحول استشراف المستقبل إلى منهجية علمية لها أساساتها المعرفية وتقنياتها الإستراتيجية , ولعل ندرة المراكز المتخصصة في الدراسات المستقبلية في بلادنا العربية شاهد على ضعف العمل بالدراسات والنظريات المستقبلية في مقابل التكاثر الهائل لتلك المراكز في الغرب المعاصر ,  ومثال على ذلك ؛ بلغ عدد أعضاء (جمعية مستقبل العالم) الأمريكية أكثر من ثلاثين ألف عضو منهم ما يزيد على الألف عضو من العلماء الذين يعتبرون أنفسهم متخصصين فعلا في هذا المجال الجديد ويمارسون العمل فيه حسب قواعد ومناهج معينة تضفي عليه كثيرا من الموضوعية.
فالخطوة الأولى التي يجب البدء بها - مع تأخرها -هو معالجة أمية الوعي المستقبلي بنشر ثقافة علوم المستقبل في الأوساط العلمية والمراكز البحثية وحتى عموم الناس من القراء والمهتمين .
يقول الدكتور هادي الهيتي :" الوعي بالمستقبل هو مستوى فهم المجتمع لصورته القادمة , وإدراكه لدوره في الإسهام في تفاعله مع مواقف الحاضر وصولا إلى إدراك ما يقتضيه تفاعله مع مواقف المستقبل ".
فبما أن المستقبل يتطلب عملا جادا للتفاعل معه ؛ كانت الحاجة أهم لبناء وعي فردي ومجتمعي يضمن تحقيق المقصود وينجح في الوصول إلى المطلوب من التخطيط والاحتياطات والدفاعات اللازمة لتغيير المستقبل .
فمهمة الوعي بالمستقبل تتركز على تحويل علم المستقبل من تخرصات وظنون ونبؤات خرافية إلى علم له أساساته المنهجية , وتكوين إرادة التغيير والمدافعة الذاتية لتحديات المستقبل .
كما تبرز أهمية الوعي المستقبلي في فهم وإدراك طبائع السنن التغييرية والتحولات الإنسانية وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن المستقبل وإهمال التعامل مع تحدياته .
وهذا التحفيز الذهني لاستشراف المستقبل سيدعو للمشاركات الجماهيرية في عمليات التغيير وتكوين فرص التأهب الاجتماعي استعدادا للمستقبل بدل ترقب وقوع المشكلات بصورة مفاجئة .
هذه بعض البُنى الهامة في الوعي المستقبلي ينبغي أن تتحقق كأرضية صلبة لأي مشروع استراتيجي يُراد له النجاح في واقع حياة الناس , وهي لاشك رؤية فكرية وثقافية تنطبع تلقائيا في سلوك الفرد الواعي باستشراف المستقبل , عندما يفكر في دراسته و تكوين أسرته وتأمين كفايته المادية و أحلامه الحياتية , وبالتالي تتشكّل لنا نخباً واعية ترفض العودة إلى تجارب الماضي ما لم تثبت معطيات الحاضر جدواها وتحليلات المستقبل فاعليتها , ولا أظن مشروعا تنجزه تلك النخب إلا وهو صمام أمانٍ للمجتمع من تداعيات المستقبل تحدياته . 

 

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن