اطلعت على صور من السجال الفكري في قضية السينما وإدخالها للمجتمع ، ولاحظت -كالعادة في تناولنا لقضايانا المجتمعية الجديدة والحادثة - من وجود تيارين متطرفين في التعاطي معها ، فقد سمعت من رأها من أهم ملامح التطور الفكري والثقافي والعلمي –على حد قوله- وبالنقيض هناك من يرى الرفض القاطع للسينما حتى لوكانت في مجالها العلمي والوثائقي وتقوم على أساس قويم من الخلق والدين .
لا أريد أن أناقش مسلمات كل فريق – كما يتصورونها -لأن طبيعة الحجج في تلك الآراء تتسم بالقطعية التي لا تقبل النقاش والحوار ، فأما التسليم المطلق أو المخالفة المطلقة . ولكن مقصدي من الحديث في هذا الموضوع أنه يشكل – من وجهة نظري – ندبة سوداء في مشهدنا الثقافي وتناولنا لقضايانا المجتمعية !!، صحيح أنه شكَّل حراكا فكريا ساخنا في المجتمع ، لكنه غوّل موضوع السينما لدرجة ألغت حتى الوسائل الفنية الأخرى وجعلت قضية السينما هي معيار التقدم والمواكبة ، والمخالفين لمؤيدي السينما هم من المنغلقين المحاربين لكل جديد .
في مقابل هناك الكثير من قضايانا الفكرية والتنموية مازالت بعيدة من الاهتمام ومقزّمة في أدراج المسؤولين في الثقافة والإعلام ، مثل ضعف حركة الترجمة ، وضعف النشاط التأليفي في مجال الطفل أو الرواية الهادفة ، وانصراف المرأة السعودية عن دور بارز في المجال الثقافي نحو مجالات ثانوية ؛ فلم تخرج لنا منذ عقود مفكرات أو مبدعات على مستوى عالمي وحتى إقليمي .
أما فريق الممانعة فمع قوة منطلقاته الشرعية إلا أن حماسه يقف في الإنكار والرد والرفض بحدِّية تجعل المقابل في خندق المعاداة الكاملة للملة والدين . و هذا الحماس الذي يظهر دائما في قضايا مثل كاميرات الجوال ، والأطباق الفضائية ، وتوظيف النساء في بيع مستلزماتهن ، وغيرها من قضايا ؛ ينطفئ بسرعة عند قبول المجتمع له ، ولو كانت القضية مبنية على قناعة تامة لبقيت تلك الآراء ثابتة لا يتقادمها حصول الرضا واندماج الناس معها ، وكم أتمنى أن يكون الحماس لاهبا في البحث عن البديل النافع والهادف عندما نمنع أمرا تتشوف له نفوس الناس وترغب في الاستمتاع به ، فهذا هو المحك الحقيقي لمشاريع الإصلاح الراشدة ، وليست المناوشات الطائشة حول قضايا يستحيل يوما من الأيام أن تكون من معالم البناء الحضاري أو أساسا للتنمية أو علاجا للفقر والبطالة والتخلف العلمي .