خالد وسحر .. قصة إبداع فاشلة؟!
د. مسفر بن علي القحطاني
زوار : 1255  -   23/09/2009
 
  وقائع حقيقية .. ولكن بأسماء مستعارة أو قريبة من ذلك ، تحكي حالة الإبداع المأزوم ، والتناقض المبدع في صورة تعجز الكاميرات عن التقاطها وتستحيل الفرشاة أن ترسم مثلها ، ولكنها موجودة ونشاهدها بكثرة في صورتها الصامتة من دون أن تصرخ إلا في الأعماق ، ثم تُدفن روح صاحبها بخشوع بينما جسده يتحول إلى كائن نباتي للنمو ثم للذبول والانتهاء .. أدخل مباشرة في فصول القصة المثيرة بحسب مايراه كاتبها ولا ادري عن قارئها .. كذلك لا ادري أبدأ بـ(خالد اليعلا) أم بـ(سحر المفرد) .. وهي شخصيات قصتي البائسة .. سأبدأ بخالد كونه خُلق رجلا وله مثل حظ الأنثيين من غير أن تكون الأنثى سحر ومثيلاتها ؟!. (خالد اليعلا) أُبتعث من جامعة عريقة لدراسة تخصص نادر وصعب ،واختار لدراسة تخصصه أصعب الجامعات الغربية ، فبدأ مشواره التعليمي بدراسة الماجستير ثم الدكتوراة وبعد ثماني سنوات عجاف، عاد الدكتور خالد بشهادته المتميزة التي جعلته السعودي الوحيد الذي يحمل هذا التخصص الذي يحتاجه كل مستشفى تخصصي يعالج الأورام السرطانية ويوقف سيل الأخطاء القاتلة التي تقع لأولئك المرضى الخاضعين لتلك المرحلة العلاجية الدقيقة ، التي يفشل الكثير منها بسبب فشل المتطفلين على تلك الأجهزة الدقيقة ؛علموا المرضى بذلك أم تشاغلوا أهليهم بدفن موتاهم .. عاد خالد والأمل يحدوه لخدمة وطنه وتدريس تخصصه لطلاب الماجستير في جامعته ، حماس مفرط ونشاط لاهب .. يتحول إلى صدمات أو لكمات قاضية . كيف حدث ذلك؟! .. تبدأ الأحداث بعدم جدوى التخصص الذي عاد لتدريسه لأنه يفتقد المقومات العلمية والتدريبية الخاصة به ، مما جعل الجامعة تعلّق هذا التخصص وتُطلق رصاصة الرحمة على خالد ، ويُطلب منه تدريس مواد عامة في تخصصه لا تحتاج إلى أكثر من معيد !.. قدّم بعد ذلك استقالته ليبحث عن الجهات الطبية التي تحتاج عمليا لتخصصه في العلاج الإشعاعي ، وبدأت رحلة (المرمطة) فذهب إلى أشهر المستشفيات التخصصية ،فمرةً قابل فيها أحد المقيمين المسؤولين عن هذه الأقسام التخصصية ،وأخبره بان تخصصك مهم جدا ولكن الوظيفة المتاحة هي فني مساعد للطبيب ، ودعاه للقبول بها حتى تتوفر له الوظيفة اللائقة في المستقبل المجهول، مع العلم أن هذا المقيم كان صديقا قديما لخالد؟! .. ومستشفى آخر -بعد دراسةٍ للملف- أكرمه براتب يوازي راتب ممرض لتغيير الضمادات أو حقن الإبر ؟!.. أثنائها يأتيه بريد الالكتروني من جامعة سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية تقدم له راتبا مغريا لا يحصل عليه مدير جامعة محلية، وتأشيرة دخول تمنح للعلماء يأتي بها موظف السفارة خلال يومين ، بالإضافة إلى عرض من جامعة تورنتو تطلب منه الحضور وفق مميزات ومكافآت مغرية ؛ جعلت – هذه العروض- من خالد مصدوما مذهولا عندما يستعيد ذاكرته في المقارنة بين تلك العروض الأجنبية ونظيرتها الوطنية . في النهاية وبعد أشهر يحصل على عمل في أحد المستشفيات الخاصة كأفضل العروض المحلية مع غبن واضح يشعر به عند المقارنة بزميله الأشقر ذي العينين الزرقاوين ؟!! لا يهم .. خالد الآن يبحث عن لقمة عيشه، ويكدح من الصباح الباكر إلى قبيل المغرب ليستحق المكافأة التي نجزيه بها عقابا له وردعا لأمثاله . أما الصورة الإبداعية الأخرى فهي للكاتبة والروائية القديرة (سحر المفرد)، التي وصلت إلى أوج الإبداع واستعلت سدّة المجد من خلال روايتها اليتيمة ذات الصفحات الثمانين ؟!! فهي وإن كانت رواية واحدة ولكن يبدو أنها على وزن ما يكتبه هوجو أو شكسبير أو تولستوي ؟!.. فقد اكتسحت مبيعاتها معرض بيروت (51) ونفدت الطبعة الأولى وخرجت الطبعة الثانية في عشرة آلاف نسخة والرقم مرشح للزيادة ؟!، غير الدعوات والترشيحات والمقابلات وحديث كبار النقاد في الأندية والمعارض والقنوات الفضائية ؟!! حالة من الإبداع العكسي وربما النقيض لحالة خالد ، لكن خالد –في الحقيقة المغيبة- يستحق الفشل الذي حصل عليه ،ويستحق غلق الأبواب التي أوصدت أمامه ،ويستحق التهميش اللائق به وبأمثاله ، فنحن كمجتمع لا نحتاج تلك التخصصات النادرة أو تصحيح العلاجات الخاطئة لمرض يفتك بالمئات سنويا !!، فنحن ولله الحمد متوكلون على الله تعالى .. وتبقى حاجات المجتمع الضرورية في الإبداع الروائي وكشف المستور والجرأة في نقد السائد الديني والخلقي .. ولعل المؤسسات الإعلامية والمنابر الثقافية هي التي تعرف الناجح الحقيقي ،وليس الفاشل الذي قضى سنواته في البحث والتنقيب والعيش بين غبار الكتب وأدوات المعامل ؟! وفي هذا الأسبوع يتم ترشيح الروائية القديرة سحر للفوز بجائزة أفضل مؤلف شبابي كخطوة أولى نحو عالمية الجوائز الأدبية الأخرى !!، في حين يعرض خالد نفسه على الجامعات والمدارس في منطقته ليحاضر لهم ويفتح آفاق العلوم لعقولهم ويتملقهم بتقديمها مجانا في أي وقت يرغبون بشرط أن يسمعوا منه ويحكموا عليه بعدها ، ولا يزالون يفكرون وينتظرون أن يُصلَح حال خالد ويقتدي بالأعرابي الشجاع الذي سطر إبداعاته بتلك البولة النتنة في بئر زمزم ؛ إعلانا بجيل واعد يدخل التاريخ ولو من أهون وأوهن أبوابه ؟!!
 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي