|
|
من المنابر إلى المؤسسات
د. مسفر بن علي القحطاني
|
زوار :
1381 -
23/09/2009
|
|
|
تعد المنابر الخطابية في التاريخ الإسلامي العمود الفقري للتواصل الفكري مع المخاطبين ، وهي بلاشك مجال للتأثر والتأثير ، وقد صنعت المنابر في تاريخها الماضي أمجادا من العلم والمعرفة ، أو ضلالا من البدع والخرافة ، وأحرقت كلمات المنابر دولا وأشعلت حروبا ، كان فيها دور فرسان الكلمة لا يقل أثرا عن فرسان السيف في البناء أو الدمار.
وفي عصرنا الحاضر وقد تعددت المنابر حتى وصلت إلى بيت الفرد وفي قعر داره ؛ فيختار ما يريد ويدع ما يشاء من صنوف لا تنتهي من أشكال الخطب يشاهدها في الفضائيات ويسمعها في المسجلات ويحاكيها في برامج الانترنت المتنوعة ، ولا يعني هذا أن دور المسجد قد تلاشى من التأثير ولكن مزاحمة الوسائل الأكثر جذبا وإثارة قد قلل من شأن المنابر في النفوس والأفكار .
هذه المقدمات السابقة لو أردت إسقاطها على أدبيات الصحوة وميادينها الدعوية فإني أعتقد أن المنابر كانت قبل التسعينيات الميلادية هي المؤثر الوحيد و ووسيلة التواصل الأقوى مع الناس، ولذلك كان أبرز رجالات الصحوة هم من الخطباء البلغاء فاخذوا زمام القيادة الدعوية والتفت الجماهير نحوهم ؛كونهم المبلغين والواعظين والمرشدين لأوضاع الناس ، ثم تغير الزمان وتطورت احتياجات المجتمع وتزاحمت المؤثرات الفكرية ومنتجات العولمة على عقول الناس ومعتقداتهم ، و هؤلاء الخطباء الدعاة هم أنفسهم لا يزالون أصحاب القيادة والتأثير وبنفس الدور السابق الذي برزوا فيه للناس ، وليس هذا نقصا في قدرهم ولا تقليلا من جهدهم وجهادهم ولكن خطاب الأمس قد لا يكون هو احتياج اليوم ، والوعظ والإرشاد أصبح متوفرا في كل بيت من خلال الفضائيات والأشرطة والانترنت وغيرها ،وهذا من فضل الله عز وجل ، بينما هناك احتياجات معاصرة وتساؤلات ملحّة تتجاوز حاجة الناس لليقظة العاطفية أو الصحوة الوعظية إلى حاجتهم للنهوض الذي يتبع اليقظة والصحوة التي تزيل الغفلة ؛ من اجل تنمية مجتمعاتهم وفق الشرع الحنيف، وتحويل الخطابات إلى مشاريع و مؤسسات عمل تحارب البطالة والفقر والفساد و الجنوح الخلقي والاستبداد القهري وغيرها من قضايا تستدعي تحويل خطاب المنابر إلى مشاريع جماعية ومؤسسات مدنية تكمّل دور الجهات الرسمية الأخرى في البناء والنهضة .
واعتقد أن عددا من التجارب الإسلامية الناجحة قد فتحت الباب لتحويل الخطابات المنبرية التي ينتهي أثرها بخروج المصلي من باب الجامع إلى أن تدخله مرة أخرى إلى باب العمل الاجتماعي والمركز الثقافي والمعهد المهني ، لهذا أرى أن المنبر للداعية ليس كل شي أو منتهى الواجب المعمول ، و الأعداد الغفيرة التي تشهد معه الخطب ليس دليل نجاح أو إخفاق ،فكم غرّت الجماهير أصحابها و حجبت الهتافات حقيقة الواقع المنظور ، والعاقل البصير من جعلها مفتاح التعبير عن الحق واستكمل بعد أثرها مشروع التغيير في الخلق .
|
|
|
|
|
|
|