|
|
جذور البغي
مسفر بن علي القحطاني
|
زوار :
1275 -
8/3/2010
|
|
|
البغي أصله الحسد، ثم سُمي ظلما ،لأن الحاسد يظلم المحسود جهده، بغية زوال نعمة الله من عليه (كما قال الازهري في تهذيب اللغة 3/104) ، وكل من بغَى وتجبّر واستطال في الظلم فإنه مهزوم ومقموع ، لأن البَغْيُ -كما يقول الفيروزآبادي-: هو الكثيرُ من البَطَرِ (القاموس المحيط 3/397) وصاحب البطر يعيش في غشاوة الانتفاش الهامشي على الغير، وسرعان ما تتلاشى نشوة البطر لينقلب على عقبيه خسر الدنيا والآخرة ، لقوله تعالى " إنما بغيكم على أنفسكم "وقوله تعالى "وَمَنَ بُغىَ عَلَيْهِ ليَنْصُرُنَّهُ اللهُ".وقال تعالى " والَّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغيُّ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" .
هذا المفهوم العام للبغي له إسقاطاته الواضحة على واقع البغاة اليوم ؛ ممن جعلوا هدفهم نشر الفوضى وتدمير المكتسبات في عموم البلاد دون تمييزٍ للعباد ، فمن خالفهم فهو عدوهم ، ليس فقط جهاز الحكومة ، بل جميع الأنظمة المدنية الموجودة ، حتى علماء الشرع ودعاته ، لم يسلموا من سهام التكفير والتقصير والرمي بالعمالة والجهل ؟!!.
هذا الأمر لم نحكم عليه من خلال قراءة الأدبيات المنشورة للقاعدة وأتباعهم، بل من خلال سؤال بسيط عن مدى إنجازاتهم الإصلاحية ودورهم التغييري والفعل المدني خلال السنوات الست الماضية على وجه الخصوص ، وانجازاتهم الماضية ليست سوى أعداد هائلة من القتلى والأرامل والمسجونيين ، ودمار في كل مكان يحلّون فيه ، وفوضى عارمة في كل بلاد يعلنون فيها إقامة أماراتهم المزعومة ، ولا أظن أن أنبياء الله ورسله جاءوا من أجل حمل الناس على القتال ، أو تصنيفهم حسب الآراء والمواقف من قضية أو حدث ،وحرب كل من يخالف رؤاهم فيها، وللأسف مع كل تلك الإشكالات والمفارقات المنهجية بينهم وبين علماء المسلمين ومجامعهم العلمية ، نجد بعض الشباب ما زال ثائر الرأي مشتت الذهن لا يرعوي عن عناده ، ولا يسمع إلا من أقرانه وأشباهه ممن جمعتهم مواقع الشبكة الالكترونية المشبوهة في طبيعة المدونيين و القائمين عليها ، أو ممن جمعتهم خنادق القتال واستقتلوا في نشر أفكارهم بالقوة والتخويف .
هؤلاء الشباب بعد مرور تلك السنوات العجاف من الضروري الوقوف على حصاد تجربتهم الدامية والمكلفة ، ولا بأس بالتجرد في بيان الخطأ ،وصدق العودة للحق ،والجلوس بين يدي العلماء للمناقشة والحوار ، والتجارب المحلية لبعض رموز التكفير قد ظهرت وشوهدت ، والتجارب الإقليمية أيضا حاضرة وشاهدة ، كما جرى من مراجعات علمية لبعض رموز الجهاد في مصر وليبيا و الجزائر وغيرهم . والعودة إلى الحق هي رجوعٌ لبرد الجماعة ، وطمأنينة البرهان ، وسكون النفس من منازعة كل البشر .
والبغي الواقع في بلادنا من خلال استهداف رموز الدولة ، ومكتسبات الوطن وثرواته ، لا ينبغي معالجته بطريقة ردود الفعل الآنية و نثر الكنانة كلها في فترة زمانية معينة ، ثم ما نلبث أن نغض الطرف عن إفرازات الجذور الكامنة لنوازع التطرف في أفكار الشباب ، فلا نبالي عندئذ بمن يسارع في تجهيل العلماء وتسفيههم على كل زلة ولو كانت خافية ، والتحريض على الأمن والولاة وتثوير الناس بحجة مزاحمة التغريب ودعاته ، والتحقير المتعمد لكل مشروع يهدف إلى تنمية المجتمع وأبنائه ، وتصنيف المجتمع و تفريقه إلى جماعات وأحزاب لا ينجو منها إلا هو ومن معه ، وكأنما هو في سفينة نوح من لم يركب معه غرق في لجة البحر وهلك من غير نجاة ؟!!.
إن جذور البغي والتطرف قد تنمو وتخرج للسطح كلما وجدت المناخ المناسب لنموها ، وقد تموت وتنتهي عندما نغلق منافذ الغلو و نفتح الأبواب لنور الاعتدال أن ينشر ضوءه الكاشف لنتوءات الانحراف والبغي والعدوان ، وهذا ما نحتاجه في كل أزمة تمر بنا ، أن ننطلق في تحليلها ودراستها و وضع حلولها من خلال منهجية النظر العميق المجرد لها، ورصد الظواهر وفهمها والغوص في كشف الجذور واضراراها ، فالطبيب المعالج لا يقطع ولا يبتر ولا يشق البدن حتى يتأكد من سلامة باطن المريض ويحميه من فيروساته القاتلة ، ويقضي على المرض ليختفي العرض من جميع أجزاء البدن .
|
|
|
|
|
|
|