|
|
مشروع بناء الوعي الحضاري (2)
|
زوار :
1323 -
1/1/2007
|
|
|
تحدثت في المقال السابق حول التعريف بالمشروع ودواعي القيام به، وأرى من المهم بيان بعض المنطلقات الفكرية التي نستطيع من خلالها بناء هذا الوعي أو إعادة تشكيله في ذهن المسلم، وهذه المنطلقات التي سأوردها هي نوع اجتهاد مني قد أصيب فيه وقد أخطئ، ولكنها محاولة متواضعة لمعرفة أولويات المرحلة التي نعيشها وحاجتها لهذا البناء التوعوي بفهمه الحضاري الشامل، ولعل من أهم منطلقات هذا المشروع ما سأورده من نقاط موجزة: أولاً: تعميق الوعي بمقاصد الشريعة الإسلامية، وربط الأحكام بها، وتنبيه المسلم على دورها في توضيح الصورة المتكاملة للدين كونه طريق السعادة في الدارين. وذلك من خلال: تعظيم العبودية لله بالتدبر في آياته المقروءة والمنظورة، والتركيز على جوانب العظمة الحقيقية التي تجعل الأنفس أقرب إلى الله في كل حال بدلاً من التركيز على الجوانب العلمية في التوحيد أو أسلوب التخويف في الوعظ الذي يجعل الأنفس تجلد في لحظات ثم تعود إلى سابق حالها بعد التخويف -في كثير من الأحيان -، وإذا كان الوعظ كثيراً ورتيباً في محتواه فقد تملّ وتكلّ هذه الأنفس، فإحياء العظمة الربانية في الأنفس له دور فعّال في تعميق العبوديّة، واستلهام الوحي، وتنظيم وحدة الفكر، وتجريد القلب من الغوائل. كما ينبغي التأكيد على هذه المقاصد عند الإفتاء؛ بذكر العلل والحِكم من التشريع وتهذيب النفوس بالأحكام، والتيسير ورفع الحرج فيما يغلب فيه الضيق والعنت أو زيادة الحاجة إليه أو شيوعه بين الناس، مع أهمية التدرج بالمستفتين والمتلقين عند المنع وإعطائهم البديل المباح عند المنع أو التحريم، وعلى المفتي أن يدرك طبيعة دوره وأثره المنتظر في حركة العمران الحضاري المتجدد والمواكب لكل المتغيرات الحياتية. ولكي تتعمق مقاصد الشرع في نفوس وأذهان المسلمين بشكل أكبر ينبغي للمعلمين والدارسين تعليم الأحكام الشرعية أو توضيحها على أساس الكليات الخمس بحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وجعل هذه الضروريات الخمس متبلورة في ذهن المسلم ومناهج التغيير والإصلاح، وقريبة إلى واقع كل الأفراد في المجتمع دون الغوص في تفصيلاتها الأصولية أو إشكالياتها الفلسفية. ثانياً: تعميق الوعي بفقه العمران الحضاري. من خلال: التأكيد على أن وجود المسلم مرتبط بمهمتين: العبادة لله والعمارة للأرض وفق مقتضيات تلك العبودية، وإعطاء العلوم والمعارف والفنون الإنسانية دورها من الاهتمام والتعلم والهيبة، وتحقيق التكامل بينها والتوازن في عرضها لبثّ العمران المادي والتقني المعاصر، ونشر أدواته بين المسلمين. ثالثاً: تعميق الوعي بالشهود الحضاري، ولعلي أعرض هذا المفهوم العظيم من خلال الدلالات اللغوية لمعنى الشهود الذي جاء في الآية الكريمة في قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً...).[البقرة: من الآية143]. فمن معاني تلك الشهادة: أن الشاهد لابد أن يكون عالماً بما يشهد به علماً يقنع الآخرين بالحجج والدلائل الواضحة. كما عليه أن يبينه ويظهره للآخرين. و يبلغه لمن يحتاجونه و ينتفعون به. كذلك العدل والأمانة في تبليغ الشهادة، فهي من أهم صفات الشاهد المبلّغ. وأعتقد أننا لو بادرنا بهذه المنطلقات التي هي بعضٌ من كل، لحقّقنا على المدى القريب الكثير من الفوائد على المستوى الفكري والتطبيقي للتدين أو الدعوة له، كما نستطيع من خلال نشر هذا الوعي المساهمة في تقليل حدّة الخلافات والمنازعات بالالتفات إلى الغايات والأهداف العليا وإصلاح أنماط التفكير الموضوعي البعيد عن الإقصاء والأحادية أو التسطيح والتهميش أو الاختزال لقضايانا أو مشكلاتنا الراهنة. وبعد هذه المُسوّدة التي عرضت أهم أفكارها التي تدور في خلدي منذ زمن أتمنى على كل محبّ ناصح وصلت له فكرة هذا المشروع، واستوعب مرادها ألاّ يبخل عليّ في تقويم هذه الأفكار أو نقدها وتفكيكها؛ فهو المعروف الذي أرجوه من كل غيور محبّ.
|
|
|
|
|
|
|