|
|
(النثقفون السعوديون)..والعودة من النافذة
د. مسفر القحطاني
|
زوار :
1463 -
7/2/2007
|
|
|
أعتقد أن أكثر المصطلحات شيوعاً، وغموضاً في عصرنا الحاضر مصطلح، أو مفهوم الثقافة، فبالرغم من كثرة المؤتمرات، والمؤلفات، والمحاضرات التي تبحث في الثقافة وميادينها؛ فلا يزال المفهوم المحدّد عصياً على المثقفين أنفسهم محلياً ودولياً. ففي عام 1982م دعت اليونسكو في مؤتمرها الثاني الذي عُقد في المكسيك لبحث السياسات الثقافية في الدول الأعضاء وقد حضرته أكثر من ( 129 دولة ) نُوقشت فيه قضايا عدّة منها تعريف محدّد للثقافة.. وقد خرج المجتمعون بأن هذه الكلمة لا تزال غامضة على الرغم من أن مفهومها أصابه توسّع ملموس في المناقشات التي جرت منذ انعقاد المؤتمر العالمي الأول للثقافة في البندقية عام 1970م. وفي ظل هذا الإشكال المصطلحي للثقافة وميادينها يأتي ملتقى المثقفين السعوديين ليحدّد لنا مفهوماً خاصاً للثقافة، والمثقفين لم يسبق له.. ويلغي التوسع الذي شهدته الثقافة في العقود الماضية لتُجعل في ميادين محدّدة ومفصّلة على مقاسات أفراد خلعوا ثيابهم التي لبسوها بفعل انتمائهم الاجتماعيّ والفكريّ، ومازال بعضهم في البحث وراء الحدود والبحار عمّن سيرمي لهم بأخرى! إن الشأن الثقافي هو الضمير الحيّ للأمة، وصوت إبداعها ونتاجها الفكريّ، وهو التاريخ المقروء لكل من ساهم في بناء المعرفة، وصناعة الوعي الثقافيّ لمجتمعنا، والمشهد الثقافيّ السعوديّ في العقدين الماضيين عاش مرحلة من البيات والانعزال عن الحراك الثقافي محلياً ودولياً إلا من بعض المساهمات التي لا يمكن أن نحملها على أنها نتاج حركة ثقافيّة شاملة، ولعل إيجاد وزارة خاصة بالثقافة مع الإعلام محاولة لبعث الرميم الذي مكث دهراً من الزمان مطموراً تحت المناصب والأموال، ومختفياً عن الواقع الاجتماعي و الشأن الفكريّ والعلميّ في البلاد. وبعد اختتام فعاليّات الملتقى الأوّل للمثقّفين السعوديّين، ومع ازدحام ندواته وأروقته بالمناقشات والحوارات، تزدحم في أذهاننا تساؤلات عدّة حول جدوى هذا الملتقى. - فهل – يا تُرى - سيحقّق هذا الملتقى وهو الأول من نوعه تطلّعات المهتمين في الشأن الثقافيّ عموماً من غير تقليل وتهميش لأحد ؟ - وهل سيُرضي كل أطراف الطّيف الثقافيّ في البلاد، ويسهم في خلق قواسم مشتركة يعملون فيها من أجل الوطن ؟ - وهل سيُعالج حالات الضعف الثقافيّ لبعض التخصّصات في المجالات الفكريّة والفنيّة والعلميّة، ويضع خُططاً تتبناها وزارة الثقافة لتحققها في أرض الواقع ؟ - هل ستُكتب التوصيات والاستراتيجيّات المرتقبة خلف الكواليس لتحقق نوعاً من الحضور والوجود لبعض الفئات القادمة من المريخ. - هل ستصبح ملتقيات الثقافة ونواديها نمطاً جديداً لثقافة الإقصاء واستغلال الواجهات للمآرب الطائفيّة والفكريّة؟ إنّ أي إجابة سلبيّة لما سبق من أسئلة وغيرها سوف تهمّش الدور المُناط بهذا الملتقى، خصوصاً أن الآمال عريضة والأحلام كبيرة على إعادة دور المثقف السعودي وريادته للساحة العربيّة والعالمية، والذي فقده منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولا أعتقد أن مشكلة قد عفا عليها الزمن، ومتشابكة إلى حد كبير بأنماط المجتمع، ومتداخلة مع مصالحه واتجاهاته يمكن أن تُعالج من خلال مؤتمر محدّد الحضور والمشاركة مقتصر -إلى حدّ كبير- على اتجاهات ثقافيّة معينة، لا تمثل نبض الشارع وهموم المواطن، وتُعرض في أيام قليلة مليئة بالندوات والمناقشات والأطروحات الشخصيّة المفيدة، وغير المفيدة لنقول بعد ذلك: إنها استراتيجية للعمل الثقافي في المملكة ؟! إن وضع استراتيجية موحدة للبرامج الثقافيّة من أهم القضايا الملحة في وقتنا المعاصر وظرفنا الراهن، ولا يحسن أن يتولى هذا الشأن من عاد إلى الساحة الثقافيّة من النافذة أو تسوّر الجدران، أو عاش في الخارج، أو كان بعيداً عن قضايا الفكر وثقافة الأمة ليجد له مكاناً مقدماً في مقاعد المثقفين والمنظّرين في الشأن الثقافيّ. إنّ هذه المبادرات -على أهمّيتها وأحياناً عفويّتها- لا نريد أن تكون سبباً للمزيد من التشظّي والافتراق في كيان هو الأقرب للانسجام والتكامل البّناء. إنّ عودة المثقف السعودي -كما نتمناه تفاؤلاً- بشكله الحديث المنظّم، ونزوله من أبراجه العاجيّة وأوهامه النخبويّة يُعتبر مرحلة هامّة للانتقال من النرجسيّة والوصاية على العقل والفكر، إلى إعادة بلورة مفاهيم جديدة لقراءة الواقع وتشخيصه من جديد، وفق المتغيّرات الحاليّة، كما نأمل أن يتولى دور التحويل للشعارات النضاليّة الحالمة إلى معامل للإنتاج والتنمية والتطوير، وأن يشارك المثقف مجتمعه بكل قطاعاته وسلطاته وأطيافه، فادّعاء المثقفين بأنهم الطلائع الواعية، وتسميتهم أنفسَهم بالنّخب المستنيرة، وقصْر التغيير والتحرير والتنوير عليهم دون غيرهم، هو ما ثبت فشله عبر الأزمان، ودفعت الأمّة ثمنه جهلاً وتفاوتاً واستبداداً.
|
|
|
|
|
|
|