المرأة والواقع..ماذا بعد؟!
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1384  -   7/2/2007
 
 

مؤتمرات دولية ، ولقاءات عالمية ، واجتماعات علمية ، وندوات فكرية ، تعقد في الشرق والغرب وتنظم بين الفنية والأخرى ، لمناقشة مشكلات المرأة ، وبحث أوضاعها المتردية . أصوات تعلوا هنا ، وأقلام تنشط هناك ، شعارات ترفع في كل مكان ، تنادي كلها بضرورة العمل على حل مشكلات المرأة ، والسعي لتحسين أوضاعها المادية ، والمعنوية ، والاجتهاد في منحها قدراً أكبر من الحرية ، والمساواة ، والمزيد من الحقوق التي تمكنها من إثبات وجودها ، وتحقيق ذاتها ، وتحديد معالم مكانتها الحقيقية في مجتمع هذا العصر ، والتطلع إلى مستقبل أفضل تصبح الأحلام فيه حقيقة .
 خضم هائل ومغر من المؤتمرات العالمية ، والدعوات المشرقة ، والشعارات البراقة ، والتوصيات المثيرة ، والمقترحات المستفزة للمشاعر سلباً وإيجاباً ..
 مطالبات كثيرة بأن ... وأن ... ويجب ... وينبغي ... 
ثم ماذا بعد ... ؟؟
 بتأمل يسير يمكن إدراك السلبية ، وعدم الفاعلية المتمثلة في العجز الذي تبديه تلك المؤتمرات العالمية ، بل والمجتمعات الدولية في حل مشكلات المرأة الحقيقية، وحسم قضاياها، لكن لماذا فشلت هذه المؤتمرات والاجتماعات في إيجاد الحلول المناسبة على الرغم من الصبغة العالمية في الطرح ، والجهود الدولية المبذولة ، والإمكانات المادية المتاحة ، وردود الفعل القوية والمتفاعلة .. ؟؟ الأسباب في واقع الأمر كثيرة ومتنوعة ولست هنا بصدد عرضها ، أو شرح حيثياتها ، لكن أهمها ـ في تصوري الخاص ـ الاختلاف الجذري بين الطرح النظري ، والواقع العملي ، بمعنى أن قضايا المرأة تطرح دائماً بمنظور غربي بحت ، أو متغرب ، بغض النظر عن الخلفيات العقدية ، والأرضية الثقافية ، والأوضاع الاجتماعية والبيئية ، والأصول الحضارية الشرقي منها ، والغربي ، والتي تتعامل مع كل بيئة بما يناسبها.
 ومن هنا كان الطرح غالباً ما يعنى بظاهر المشكلة دون المساس بجوهرها وبصورة سطحية لا يمكن أن تغير من واقعها شيئاً إن لم تعمل على تفاقم المشكلة وزيادة الشرخ النفسي والفكري والاجتماعي للمرأة ، فكانت بمثابة الطبيب الذي أخطأ في تشخيص الداء ، ومن ثم في وصف الدواء فانتهى المريض على يديه .
 هذا إن تعاملنا مع تلك المؤتمرات والدعوات بمنطق حسن الظن بالأهداف المعلنة ، والجهات المنظمة .
 ولا يعني هذا أن المرأة بصفة عامة ، والمسلمة بصفة خاصة لا قضية لها ، ولا مشكلات حقيقية عندها تعاني منها . بل أن للمرأة في كل مكان مشكلات حقيقية تمس جذور كيانها الإنساني ووجودها الشخصي مع الاختلاف الحقيقي بين قضايا المرأة ومشكلاتها في هذا البلد أو ذاك .
 ومن يعتقد بأن المرأة الأوروبية ، أو الأمريكية قد تمكنت من تجاوز هذه المرحلة بتسوية قضاياها ، وحل مشكلاتها كلها وتحقيق كيانها ، ووجودها الذاتي بالصورة الحقيقية يخطئ خطأ فادحاً ، فهي على الرغم من المكاسب المادية والمعنوية التي إستطاعت أن تحصل عليها إلا أنها مازالت لها همومها الضاغطة ، ومشكلاتها العميقة ، وقضاياها الملحة التي يطالعنا بها إعلامهم بوسائله المختلفة ، وباستقراء سريع للصحافة النسائية في أوروبا وأمريكا يمكن إدراك هذه الحقيقة وبشهادة أصحاب هذه القضية أنفسهم والذين ما زالوا يبحثون عن الحلول التي عجزت حضارتهم المعاصرة عن تقديمها لهم .
 ولن نقف عند هذه النقطة طويلاً لأن طرح مشكلة المرأة الغربية ومناقشاتها من اختصاص أهلها ، لكن الذي يعنينا هنا هي المرأة المسلمة بهمومها وقضاياها ومشكلاتها الخاصة التي تختلف اختلافاً كلياً عن قضايا المرأة العربية ، أو المرأة في أي مكان آخر .
 وبالتالي فان الحلول المطروحة من الشرق أو الغرب لا تصلح على الإطلاق لاختلاف طريق الحل هنا عن أصل القضية ، ومن ثم فإنه لن يزيد الأمر إلا سوءاً ، والمرأة المسلمة إلا تخبطاً واضطراباً وتمرداً ، يسوقها بصورة لا شعورية إلى أن تلقى بنفسها عقلاً ، وقلباً ، ومنهجاً ، وسلوكاً في أحضان أي فكر وافد وحل مستورد تتوهم فيه طوق النجاة .
 والنتيجة مزيد من الانهزامية النفسية ، والفوضى الفكرية والوهن العقدي ، والانفصام في الشخصية لا للمرأة المسلمة فحسب بل للأمة بأكملها ، لأنه ركض لاهث خلف سراب لا قرار له .
 إن هموم المرأة المسلمة ، ومشكلاتها لا يمكن أن تعالج بصورة نظرية بحته ، أو بتصورات افتراضية ، بالمقالات والكتب ، والمحاضرات ، والخطب ، أو بالتجاهل والإنكار. لكنها تتحقق من خلال التتبع الحقيقي لمنابع تلك المشكلات ، وجذور تلك الهموم ، ثم عرضها بصورة جدية واقعية صادقة بعيدة عن المبالغة ، أو التسطيح ، وهذا العرض الجدي ، والتتبع الدقيق هو الطريق الصحيح لمعالجة تلك الهموم ، وحل تلك المشكلات التي تتفاقم يوماً بعد يوم مع كل خطوة تخطوها في طريق التقدم الحضاري .
 وهذا النوع من الطرح هو الذي نفتقده ، فمعظم الطروحات سطحية لا تصل إلى العمق بل لا نبالغ إذا قلنا إنها كانت تبتعد عن القضية الرئيسة ، لتشغل المرأة بقضايا جانبية وهموم مفتعلة تغشي بصرها عن رؤية مشكلتها الحقيقية ، وتخدرها عن الإحساس بما يدور حولها ، وبالتالي كانت المعالجات المطروحة غالباً وقتية وغير مناسبة .
 لذا فقد أصبحت المرأة المسلمة لا تعيش فعالية نفسها ، ولا تحملها إلى العالم ، ومن ثم فلا يكاد يكون لها وجود حقيقي في المجتمع العالمي الذي يبحث مشكلات المرأة فضلاً عن الإسهام في تقديم الحلول ، فكانت في غالب أمرها على هامش الحياة .
 ومن هنا فإن تحديد هموم المرأة المسلمة ، ومعرفة مشكلات واقعها المعاصر هي قضيتنا جميعاً . لأن المرأة المسلمة وحدها هي الأقدر على تحديد مشكلاتها الجوهرية والتعبير عن همومها الحقيقية ، فالهم همها ، والمعاناة معاناتها .
 ولنبدأ خطوتنا الأولى بالتحديد الدقيق لطبيعة المشكلات التي تعاني منها ، وطرحها بصورة عميقة جادة ، ونظرة موضوعية متقصية ، وعرض صريح صادق يتتبع المشكلة من منابعها الأصيلة ، ويحللها بأبعادها المختلفة ، تمهيداً للوصول إلى الحل الناجع الذي نخرج به من واقعنا المستكين ، وعدم فاعليتنا ، وغيابنا الحقيقي عن ساحة الواقع ، ويعيد لنا دورنا في المشاركة الإيجابية الفعالة لبناء صرح أمة الإسلام من جديد .
 ولتكن (الشقائق) منبرنا الذي يحمل صوتنا إلى العالم أجمع قائلاً له : ها نحن أولاء نساء الإسلام قد وعينا مسؤوليتنا ، واخترنا طريقنا ، كتاب ربنا ، وهدى نبينا .
 وإلى اللقاء مع خطوة أخرى .

 

 

 

الإسم    
الدولة  
البريد الإلكتروني       
تقييم الموضوع  
التعليق    
رمز التفعيل


 
 
 

د. مسفر بن علي القحطاني