سلبية الثقافة..أم ثقافة السلبية
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1287  -   7/2/2007
 
 

( الثقافة السلبية ) مصطلح يطلقه الفرنسيون والباحثون على تلك الشريحة من العلماء والمثقفين ، الذين يسيرون في ركب السلطة ويقدمون من الأفكار والنظريات والطروحات النمط المطلوب سياسياً وجماهيرياً ، وإن ناقض الواقع ، وخالف الحقيقة ، بمعنى أن هذا التيار الثقافي يتبنى الفكر الرائج ، والتوجه المطلوب ويصوغه بشكل علمي يحاط بهالة كثيفة من الدعم الإعلامي والرسمي الذي يقدمه على أنه الصورة الحقيقية الصادقة والنتيجة الحتمية للعلاقات التبادلية بين الماضي والحاضر والمستقبل .
 يذكر البرفسور ( فرانسوا بورجا) .. ( باحث فرنسي متخصص في الشؤون العربية والإسلامية ) إن الحكومات الغربية والإعلام المسيطر يتبنى هذه الشريحة من أصحاب الثقافة السلبية ، في تقديمهم والترويج لأفكارهم وطروحاتهم ، ويمثل لذلك بالترويج لفكر و نظريات
( صموئيل هنتجنتون ) مع أنها تفتقد الأسس العلمية والتاريخية ، في حين يتجاهل عامداً التيار الثقافي المعتدل والذي يتعامل مع قضايا العالم وعلى الأخص الشؤون الإسلامية بإنصاف وموضوعية .
ومشكلة هذا التيار المعتدل أنه يواجه  بسوء فهم من الجميع ، فالغربيون يتهمونه بالتعاطف وعدم الموضوعية ، والمسلمون يتحفظون منه لأنه ليس مسلماً ،  ولتأثرهم بالضغط الإعلامي الغربي ، فكلا الطرفين لا يقبل فكرة موضوعية الفكر المنصف الحر .
والواقع إن كان للموقف الغربي من هذه الشريحة المنصفة من أصحاب الفكر الحر ما يسوغه ، فليس لموقفنا منهم أية مسوغات .. ذلك أن التعامل مع هؤلاء المفكرين الباحثين المعتدلين ودعمهم ثقافياً وإعلامياً بنشر فكرهم ، والترويج لكتاباتهم خير وسيلة لخدمة الإسلام وقضايا الأمة ، لأنهم أكثر قدرة على مخاطبة العقلية الغربية ، ولأنهم أعلم بالظروف المحيطة بهم : نفسياً ، وفكرياً ، وعلمياً ، واجتماعياً ، وثقافياً .. ومن ثم فهم لبني جنسهم .. لأن خطابهم لهم ينطلق من القاعدة الثقافية نفسها،  وبالتالي فهو أكثر مصداقية بالنسبة لهم ..
ولكننا للأسف الشديد بدلاً من أن نأخذ بزمام المبادرة في اقتحام حدود خطاب العالم الغربي من خلال رموزه الثقافية المعتدلة .. نلجأ إلى سياسية الدفاع في مواجهة تلك النظريات أو الطروحات المضادة في فلكنا العربي الخاص ، ومحيطنا الثقافي الضيق .. وبصورة خطابية ضعيفة تفتقد أقل الأسس العلمية والمنطقية .. فيضيع الوقت ويستهلك ويتلاشى الصوت داخل دوامة صدق الانفعال المحاط بحدودنا الشخصية..
وموقفنا العام من ذلك التيار الثقافي الغربي المعتدل لا يختلف أبداً عن موقفنا من مثقفينا أصحاب الفكر الواعي المخلص .. المنطلق من قاعدة الحرص على سلامة هذه الأمة والدفاع عن دينها ، وتراثها الثقافي ، وتميزها الشخصي .. واستقلاليتها الذاتية ..
إن هذه الفئة من المثقفين الذين يحملون هم الأمة .. يرفضون مسايرة الموجه الصاخبة وركوبها للوصول إلى الشهرة والمجد والحصول على الرضا .. من خلال تحقيق ما يطلبه الجمهور..  لذا تجد الإعلام يتجاهلهم ويغلق أبوابه في وجوههم ،  والعامة تتحفظ منهم .. فمؤلفاتهم لا تشترى ، ومقالاتهم لا تقرأ وإن قرئت لا تفهم ، وإن فهمت لا يتجاوب أحد معها..
أما في المناسبات الثقافية والعلمية فلا وجود لهم .. لأنهم في الأصل لم يدعوا إليها.. إنهم يعيشون في عزلة نفسية وفكرية فرضت عليهم قسراً  .. أما الرموز الثقافية المقدمة دائماً فهي من نتاج الثقافة السلبية .

آخر الكلام .. 
    الحكم على أي حضارة أو ثقافة يكون لها أو عليها ، بالنظر إلى نموذج الإنسان الذي تنتجه . ونحن أمة سيطر عليها الماضي ، وغابت عن الحاضر ، وغفلت عن المستقبل . فبم نحكم عليها وعلينا ؟؟

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن