وقفة مع النفس
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 5027  -   7/2/2007
 
 

ألمحت في العدد الماضي إلى الشرخ الذي وقع في العلاقة بين المسلمين ومصدر التوجيه الأول لحياتهم ( كتاب الله ) ، وكيف اتسم تعاملهم معه بقدر لا يستهان به من القصور والسطحية ، انعكس بدوره على واقع حياتهم العامة والخاصة بصورة موجعة أدت إلى عزله عن واقعهم . والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : كيف حدث هذا الشرخ ، والانحراف ؟ ولماذا تبدلت المفاهيم ، وانقلبت الموازين ؟
إن ما يعيشه مسلمو اليوم  من : تخبط ، وضياع ، وانهزامية نفسية ، وتبعية فكرية ، وعجز عن مواجهة ما يداخل أنفسهم ، وفقدانهم التوازن النفسي والفكري ، والعقدي ، وقلبهم للموازين الشرعية ،وتغييرهم للمفاهيم الإسلامية ، بقصر التمسك بها على ظاهر الألفاظ دون معانيها الأصلية ، ومراميها الشرعية إنما مرده ـ في تصوري الخاص ـ إلى تعدد مصادر التلقي والتوجيه في حياتهم العامة والخاصة ، والتي لم تعد مقتصرة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ بل تعدتهما إلى مصادر مختلفة شتى منها : التراجع أمام التقاليد السائدة ، والاستسلام النفسي للموروثات الاجتماعية ، والأعراف القبلية ـ وإن خالف ذلك كله مقاصد الشريعة ـ ، وما واكب ذلك من الانفتاح الثقافي ، والتواصل الإعلامي ، بما يحمله من فكر وافد ، وقوانين وضعية ، وغيرها من المفاهيم والأفكار التي قد تبتعد كثيراً أو قليلا عن المعاني الإلهية الشرعية .
هذا الخليط المتنافر ـ من المفاهيم ، والأفكار ، والموروثات الجاهلية ـ عمل مجتمعاً أو متفرقاً على اختلال التوازن الفكري للمسلم المعاصر ، وإصابته بغبش الرؤية ، وجعلته يلبس تلك المفاهيم الشرعية أثواباً خلقة رثة مرقعة ـ من ذلك الخليط غير المتجانس ـ أخفت روعة معانيها ، وشوهت جمال مقاصدها ، وأبعدتها عن معانيها الأصلية ؛ فأسيء فهمها ، واعتسف في تطبيقها . فكانت النتيجة هي الواقع الذي يعيشونه اليوم من ظلم ضاعت معه الحقوق ، وعطلت به كثيراً من الأحكام . وأخذت الهوة بين المسلم وكتاب ربه تتسع ، فلم يعد المسلم ينظر إلى الأمور بمنظار الشرع ، أو يتعامل بمفهومه ؛ بل أصبح ينظر إلى أحكام الشرع نفسه ومقاصده بمنظاره الغبش الخاص ، ويتعامل معها بمفهومه المتخبط ـ غير ميزان الحكم ، فتغيرت الأحوال ـ .
إن تعدد مصادر التلقي واختلافها أسلم إلى التخبط والضياع ، والعجزالتام عن التعامل الصحيح مع الأسس الشرعية ، والأحكام الربانية ، التي أمر بها الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم ، وعلى لسان نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم . وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله عز من قائل سبحانه : ( ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) الزمر 29 .
هذه الآيات الربانية بما تتضمنه من معان تنبيهية تحذيرية هي أبلغ من أن يعلق عليها. وقد استغل أعداء الإسلام حالة التخبط والتيه التي يعيشها المسلمون في زعزعة كيان الأمة ، وهز قناعاتها بموروثاتها الإسلامية الصحيحة ، وابعادها عن الأخذ من مصادرها الشرعية الأصيلة ، ودفعها للأخذ بالبديل المطروح منن قبلهم ؛ إسلام جديد ـ لكنه إسلام مسخ ـ لا يحمل من إسلام القرآن وإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ، وإسلام النبيين جميعاً سوى رسم حروفه ، أو بعض مظاهر مشوهة .
فهل نقبل هذا الواقع ، ونستسلم له ؟ .. أترك الإجابة لكم قراءنا الكرام ، وانتظرها منكم .
نظرات وداع لعام يلملم ما تبقى من أيامه ليرحل عنا ؛ خطى قليلة ويغيبه منعطف الماضي ...
عام مضى من حياة المسلمين أمة ، وأفراداَ ، بما حملته أيامه من : آلام وسعادة .. أحزان وأفراح .. مكاسب وخسارات .. انتصارات وهزائم .. أحلام كثيرة تلاشت تحت سطوة شمس الحقيقة .. وآمال تحطمت على صخور الواقع الصلبة .. ولم يبق لنا من ذلك كله سوى نقوش ذكريات في النفس ، وربح أو خسارة في ميزان الله .
وفي خضم ركضنا اللاهث في دروب الأيام والشهور نحتاج وقفة صدق مع أنفسنا ـ كم نفتقد الصدق في حياتنا ـ نعيد فيها حساباتنا .. ونتأمل حصاد عام مضى .. ( أقوالنا ، أفعالنا ، مواقفنا ، اختياراتنا ) ونزنها بميزان الشرع الإلهي . هل كانت من الباقيات الصالحات في صدقها مع الله ؟ أو كانت هشيماً تذروه الرياح .. فلا يبقى منها إلا الحسرة والندم ، والخسران المبين .. ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ..

 

 

 

الإسم    
الدولة  
البريد الإلكتروني       
تقييم الموضوع  
التعليق    
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي