محنة المشاعر
د. مسفر بن علي القحطاني
زوار : 1173  -   23/09/2009
 
  يصاب الإنسان في حياته بمحن وابتلاءات هي جزء من طبيعة الحياة الدنيوية . يغالب هذه المحن وينتصر عليها وقد تغلبه وتتحداه كجزء من طبيعة الحياة الإنسانية . لا يمكن أن يفر من مكانه ليتورى في بطون الادوية أو على قمم الجبال الشاهقة لأن الأرض جميعا لله ، ولايمكنه أن يختزل الزمان ليعجّل بشي أو يؤخره لأن لكل أجل كتاب . هذه التحديات والابتلاءات كانت في أحيان كثيرة سببا لما لا يحصى من مخترعات ومكتشفات وإنجازات صنعتها أيدي البشر على مر التاريخ ، ولها أيضا من الضحايا ما لا يحصي عددهم إلا الله . صراع مستمر لا يتوقف من الولادة حتى الممات ، لكن أشده فتكا وأعمقه أثرا عندما تكون المشاعر طرفا في هذا الصراع .. عندما تصاب المشاعر الدفينة في الأعماق بسهام البلاء من عزيز يفارقه أو من قريب يودعه أو من حبيب يهجره أو من ولد يعقه أو من زوج يقسو عليه . عندها تدمى المشاعر وتنزف احزانها وتنشر عزاءها على كل خلايا الجسد . إن السهم الذي استطاع أن يخترق كل دفاعات البدن والنفس لينغرس في أعماق القلب قد يصيب مقتلا ويوأد الإنسان وهو حي . أمام هذه المعركة البشرية مع نواميس الحق كان لابد من الدفاعات والخنادق الواقية من شر أسهم الحياة الفتاكة .. وقد يكون أعظم هذه الدفاعات وأقواها في هذا الميدان؛ صدق الالتجاء بالله تعالى والصبر والرضا على أقداره واحتساب الأجر منه سبحانه . أكتبها بخفة نقر كلماتها على الصفحة ولكنها أعلى منازل السائرين وأرقى مدارج السالكين وأثقل في ميزانها عند الله من الجبال الراسيات . هي التي جاهده من أجلها العارفون وربما لم يبلغوا بعد مرادها والوصول لحقيقتها .. ولكن للعبد أن يبلغها.. وإن ضَعُف.. وإن جَهِل.. وإن زلّة به القدم.. عندما يرتمي بين يدي ربه ويفوّض حاله لخالقه ويتعلق بمن بيده العفو والرحمة والقوة والحكمة . إنها في ظني حالة التجرد والانخلاع البشري من حروب النفس مع صروف الحياة إلى حالة اللذة ونسيان الوجود في معية الله سبحانه وتعالى .
 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي